البارحة كان موعدي مع محاضرة للدكتور المبدع ميسرة طاهر .. لا أملّ أبداً من سماع هذا الرجل .. أشعر أنه يملك مخزوناً هائلاً من معرفة مشاكل الأسر وعلاجها ، كما أنه متحدث بارع . كثير من الناس عندهم معلومات رائعة وقد يكونون موسوعيين فعلاً ويعدون ثروة للأمة ، إلا أنهم يفتقرون تماماً لأساليب التشويق والتواصل مع الجمهور ، فينتهي بك المطاف – إذا سمعت لمثل هؤلاء – إلى التثاؤب ثم التثاؤب ثم التثاؤب حتى تشعر أن مفصلي فكك سينفصلان ، ولولا بقية من حياء لغطيت وجهك بغطوتك ولعلا غطيطك ، ولا يشفع لهم عندئذ الكنوز المعلوماتية التي حوتها صدورهم أو أوراقهم . أما الدكتور ميسرة فهو – ما شاء الله – يملك بلا شك المادة العلمية الجيدة والطريقة الهادئة غير المنومة – يا للعجب – والتي تشد المستمع لآخر دقيقة من طرحه .
عنوان هذه الدورة : تنمية الحب العائلي ، وقد أقيمت في مركز الأمير سلطان الاجتماعي بالمدينة النبوية ، وسأعرض لكم هنا أبرز النقاط التي تحدث عنها المحاضر ، لكن أذكر أولاً بأني حينما أستخدم كلمة ( الولد ) فإني أعني به الجنسين ، إذ أن الولد لغة يشمل الذكر والأنثى بخلاف الابن الذي يختص بالذكر، وإذا ذكرت الوالد فإنه أعني به الوالدة كذلك تفادياً للتطويل .
تحدث المحاضر أولاً عن ما أسماه بمثلث السلام والذي رؤوس زواياه : السلام مع الله ، السلام مع الذات والسلام مع الآخرين ، وذكر أن على الوالدين تنمية الحب العائلي بينهم وبين أولادهم لوضعهم في هذا المثلث باقتدار ، وكل خلل يصيب الولد في أحد هذه الأركان الثلاثة فإن منشأه الأول بلا شك تقصير الوالدين ! كما شدد على أهمية حصول الولد على الثقة والاطمئنان من جهة والديه ليتمكن بعد ذلك من مصارحته بأي أمر مزعج مر به ويستنصحه ، ويقول أنه سمع مرات كثيرة من زبائنه المراهقين ممن تعرضوا لتحرشات جنسية أو تهديدات خطيرة بأنهم ما استطاعوا إخبار والديهم خشية الضرب !
ثم تطرق إلى أنواع الحب ، فقال أن هناك نوعين من الحب :
1- الحب الحقيقي : وهو الذي يحب فيه محبوبه ( ولداً كان أو زوجاً ) حباً خالصاً من الشوائب ومن هوى النفس ، وأكثر ما يهم الحبيب أن يكون محبوبه مرتاحاً وسعيداً ، وأقوى ما يتجلى هذا الحب في حب الأم لطفلها الرضيع ، كما ضرب له مثلاً وهو حب النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة لما خيره بينه وبين أبيه فاختاره زيد على أبيه .
2- الحب النرجسي : وسماه ” حب كشف الحساب ” ، ومثّل له بالوالد الذي ما يفتأ يذكر ولده بأنه حرم نفسه من التوسع في المعيشة والسفر ومن كذا وكذا ليأتي له بالمدرس الخصوصي أو الطلبات المعينة ، أو الأم التي امتنعت عن شراء كذا وكذا لتشتري لابنتها الجوال الفلاني أو الحقيبة العلانية ، وهذا أمر منتشر في أغلب البيوت حتى أن بعض الأولاد لا يشعر بفضل أبيه عليه إلا في النفقة ولو كان يعلم المقدار الذي صرفه والده عليه لأداه له ليتخلص من مَنّه وأذاه .. كما أن هذا النوع من العطاء مقرون لا شعورياً بشعور : أنت حبيبي مادمت تسمع كلامي وتدور في فلكي ، فإذا خالف الولد رغبة الوالد التي لا تلائمه أو تضايقه اعتبر الوالد ذلك جحوداً ونكراناً للجميل . وما لا شك فيه أن الجحود مؤذي لنفس الوالد المعطاءة لكن هنا جعله الله علامة لتمييز النية الصادقة في الحب عن غيرها .
وقد شدد المحاضر على أهمية وجود رصيد من المحبة للوالد عند ولده لأن الولد إذا أحب الوالد حباً يملك عليه قلبه فإن هذا أدعى لأن يسمع الولد ويطيع ، أو على الأقل يخزن هذا الحب في الذاكرة والوجدان إلى أن يكبر ، وعندها يكون رد الدَين ، وغالباً فإن الوالد الذي لا يملك رصيداً كبيراً من المحبة في قلوب أولاده فسيُترك ويُهمل ويُجفى ، والبادي أظلم .
ثم ذكر المحاضر تقنيات الحب :
- النظرة : فينظر الوالد إلى عين الولد ، إلى البؤبؤ مباشرة ويكرر في ذهنه عدة مرات : أحبك ، أحبك ، وحتماً ستنتنقل هذه الرسالة عبر النظرات إلى قلب الآخر وسيشعر بها بلا ريب .
- الكلمة : فلا ينادي الوالد ولده باسمه مجرداً ، وإنما يقرنه بلفظة جميلة: يا حبيبي ، يا عيوني ، يا قلبي .
- القبلة : قلت : أن أحد الصحابة رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبل الحسن فقال : إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم ، فقال النبي الكريم :” إنه من لا يرحم لا يُرحم “.
- الضمة ، فليس أحمل من أن يودع الوالد أو الأم الولد بضمة ودعوة ، أو أن تضم الوالدة الابنة أثناء جلوسها بجوارها .
- اللمسة : وهذه تقنية عظيمة تساعد بشكل كبير في إذكاء الحب العائلي وزيادة رصيد المحبة التي تجعل الأولاد منضبطين في أغلب الأحيان. واللمسة قد تكون بالمسح على الشعر ، أو التربيت على الخد ، وذكر أن أفضل مناطق التربيت عند البنت : على الكتف ، وعند الابن : المنطقة التي تعلو الركبة مباشرة .. قلت : لا يعني هذا بالطبع أن يكون هذا التربيت في حال كان الولد واقفاً !! وإنما يتم ذلك وهو في وضع الجلوس ..
- دثار الحب ، ويتم بعد إيواء الأولاد إلى فرشهم وهم في فترة السِنة قبل الاستغراق في النوم ، حيث يدخل الوالد على الولد ويقبله فإذا تململ الولد ( وقد يكون كبيراً أو مراهقاً ) ويسأل عن الأمر فيقول الوالد : لا شيء ، فقط أردت أن أغطيك لئلا تبرد ، ثم يشد عليه الغطاء . يقول أن الولد في هذه المرحلة من الوعي قد لا يتذكر الأمر بحذافيره إلا أنه يتخزن في وجدانه محبة لهذا الوالد .
- اللقمة والشربة ، على أن يتخير الوالد ما يحبه الولد لا ما يحبه الوالد ، فيلقمه إياه ، كما لو كان الولد يحب عصيراً معيناً ، فتجهزه أمه له حال رجوعه إلى البيت ، أو تضع لقمة من الطعام الذي تحبه ابنتها في فمها . قلت : قال رسول الله : “… فالمؤمن يؤجر في كل أمره حتى يؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته ” .
- نبرة الحب : قد لا يكون كلام الوالد مع الولد سيئاً لكنه قد يكون جافاً بالحد الذي يكفي أن تزيد الهوة بينهما . قلت : أحياناً نقول لأحد أولادنا ونحن نتميز غيظاً منه : يا حبيبي افعل كذا ، وكأننا نقول : يا حبيبي الله ياخدك افعل كذا ! هذه تختلف بالتأكيد عن نبرة اللطف والحب التي لا تخطئها الأذن أبداً .
- الدعاء له بالهداية والخير دائماً ولا ندعو عليهم أبداً .. وما نعجز نحن عن فعله فإن الله تعالى قادر عليه .
- حفظ غيبة الأولاد .
- الابتسامة ، فتحاول الأم المحافظة على البشاشة في وجه أولادها ، وقام بإجراء تجربة على متطوعين حيث طلب من الأول التقطيب بشدة ، ثم طلب منه أن يقول كلاماً جميلاً في حق امرأته و( يتغزل فيها ) ، فلم يستطع طبعاً ، وعلى رأيه ( ما يجي ! ) ، وطلب من الثاني أن يبتسم ( منشكحاً ) ثم طلب منه أن ( يهزئ ) امرأته أو ولده ، فلم يضبط الأمر بالتأكيد . فقال أن الوجه لو كان متبسماً على الدوام لاستطاعت الأم أن تقوم بكل التقنيات السابقة بكل سهولة ويسر .
المحاضرة كانت طويلة امتدت لأكثر من ثلاث ساعات تتخللها الكثير من القصص التي عاينها في عمله ولكننا كأننا كنا في غيبوبة لم نستفق منها إلا بانتهاء الوقت ، وأخيراً خرجت من المحاضرة وأنا أشعر أن المئتين وخمسين ريالاً التي دفعتها قبل دخولي كانت مجدية ومفيدة بحق .
ماشالله شكلها كانت محاضرة حلوة كويس انك حضرتيها وبلغتينا بمحتواها جزاكي الله خير.. الصراحة معلومات حلوة وقد ما الواحد يسمع عن تعامل افراد الاسرة مع بعض برضه بحاجة للتذكير . الله يجعلنا من محسني التعامل مع اولادنا لا نعقدهم في حياتهم او نطلع منهم افراد شرسين. الله يهديهم ويصلحهم.
رومي ، أقول الله يهدينا ويصلحنا أولاً ويعيننا على فعل ما يصلح أولادنا . ترى أغلب المشاكل التي يعانيها الأولاد هي بسببنا ، وكما يقول المثل : الآباء يأكلون الحصرم والأولاد يضرسون .
أكتر من رااااااائعة سلمت يمناك على هذا النقل الحي ..
ولأكننا كنا معكم في المحاضرة ..
الله يعيننا على أن نحسن اليهم ونربيهم كما يحب ربي ويرضى ..
وأن نعطيهم من حشاشة فؤادنا وروحنا ..
لا عدمنا جديدك
إي والله من جد كلامك ياخاله هناء نحن سبب أغلب الأشياء إلي يعاني منها أولادنا ..فيه كتاب قريته اسمه أبناءنا جواهر لكننا حدادون..كان كاتب المؤلف(نسيت اسمه) إنه نحن نبغا من البطة إلي هي الطفل دائماً تبيض بيضة دهبية ههههههه وازا ماجابتها دهبية ياويلها ..يعني المفروض إننا نتقبل اخطاء أولادنا ونعطيهم فرصة إنهم يكتشفوا إنهم غلطوا بطريقة غير مباشرة وموشرط إنه يكون الطفل مثالي عشان أكون راضيه عنه..بالعكس نحب اولادنا بعيوبهم بس نوجههم بدون عنف
كأني اتفلسفت كتير
بالعكس يا ملاك ، كلامك صحيح وتقريبا كان هو نفس الكلام الذي ذكره المحاضر .. كان يقول : لا توبخوا أولادكم أمام الناس ولا تنتقدوهم أمام أحد وإنما يكون ذلك بينك وبين الولد ( صغيراً كان أو كبيراً ) وتقبلوا أولادكم كما هم مع زيادة رصيد الحب عندهم . وقال أن هذا الرصيد قد يمنعهم من أشياء كثيرة خاطئة ، وقد ذكر قصة إحدى مرضاه أتته وزوجها لحل مشكلة بينهما ، هو طبيب رقيق الدين ، وهو مع ذلك مثليّ الجنس (شاذ) وبالتالي لا يعطيها كفايتها من حقها المشروع ، وهما يجلسان معاً في جلسات مختلطة ، فسألها الدكتور ميسرة : ألم تتعرضي في هذه الجلسات إلى تحرشات ودعوات غير مشروعة من الرجال الآخرين ؟ فقالت : بلى ، ولم أفكر ألبته في التجاوب معهم لا خوفاً من الله ، ولكن لأني لا أريد أن ( انزل رأس أبوي في الأرض ) .. طبعا هذه ليست محاولة للتقليل من شأن الخوف من الله ، ولكن انظري كيف رصيد أبيها كان عالياً عندها أدى إلى منعها من الخوض في الفاحشة .. نحن نحتاج إلى هذا الرصيد لننشئهم نشأة سوية بإذن الله ، وأهم شيء أن نفعل الصح ثم نتوكل على الله .
تسلمي ياخالة هنو
شكلي بدور مقالاته وأقرأ عنها ..الله يعيننا ونكون فعلاً نفهمهم من غير ما نضطر للتعنيف
راااااااااائع
رااااااااااااااااائع
راااااااااااااااااااااااااااااااااائع ما شاء الله تبارك الله ..
والأروع صياغتك للموضوع وإيصال المعلومة ..
يااااااااااااااااااارب أعنّا على تربية أبنائنا كما تحب وترضى ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه رسالة كتبتها فتاة مصرية إلى أحد المستشارين في المجلة لعلها تعطي صورة عن الوضوع
تحكي فيها قصتها وتطلب فيها التوجيه والرأي ..
أعجب من قصتها ما كتبه المستشار .. فإلى القصة والاستشارة :
والدي متسلط
سيدي أكتب لك من داخل القطار, لذا اغفر لي ارتعاشة الكلمات وسوء الخط, واستميح القراء عذرا في قسوة بعض التعبيرات وفجاجتها, ولكني لم استطع التعبير عن نفسي إلا بما حدث مجردا من أي تنميق أو تجميل. وأناشدك ألا تقسو علينا, فنحن بنات قسا الزمن علينا طويلا, وأرواحنا ـ كما أجسادنا ـ كلها ندبات وجروح.
نحن ست بنات, خمس شقيقات, والصغيرة من أم أخرى.. عشنا أيام طفولتنا وصبانا في عذاب لا يمكن وصفه أو تخيله بسبب قسوة أب تجرد من كل مشاعر الإنسانية, ولم نهنأ, أو نغمض عيوننا إلا بعد موته الغريب والمفاجئ, موته استمر5 سنوات.
دعني استرجع معك ذكرياتنا التي لا تفارقنا لحظة, فكل ألم عليه شاهد في الروح والبدن. استيقظت عيوننا منذ الميلاد, على أم كسيرة, باكية دائما, وأب لم نره في البيت إلا في يده سلك كهرباء عار, تنهال سياطه على أجسادنا, إذا بدر منا أي صوت.. هل يمكن تخيل طفل لا يبكي؟.. نعم, نحن, كنا نعي أن البكاء حتى في الأشهر الأولي يعني ألما غير مفهوم من يد شبح, لم نكن نعرف ماذا يمكننا أن نناديه.
أتذكر الآن, عندما كان عمري5 سنوات, أمي حامل في شهورها الأولي, كانت تستحم, سقطت في الحمام, فأخذت تستغيث بصوت منخفض حتى لا توقظ أبي النائم, ولكنه للأسف استيقظ مع بكائها, هل يمكن أن تتوقع ماذا فعل؟ لا أنسى ملامح وجهه في ذلك اليوم, ملامح شيطانية مفزعة, لم يثنه دمها المراق علي الأرض, لم يفزعه, إنهال عليها ضربا ورفسا في بطنها وشدها من شعرها خارج الحمام, ونحن نبكي ونصرخ رعبا, حتى تجمع الجيران, وأخذها أحدهم فاقدة الوعي إلى المستشفى, بينما توجه هو إلى غرفة نومه. يومها أصبت أنا الأخرى بانهيار عصبي وظللت مريضة فترة طويلة.
سيدي.. هل لك أن تتخيل ماهو جزاء أي واحدة فينا, لو لم تتفوق في المدرسة؟.. يحلق شعرها, ويغرس وجهها في صفيحة الزبالة ثم ينهال عليها ضربا بالسلك العاري حتى تفقد وعيها من شدة الألم.
لم يكن أبي ينفق علينا, ولا تظن أنه كان فقيرا, بل كان كما يقولون يلعب بالفلوس لعب, معه أموال كثيرة من تجارة الغلال, ولكنه كان يأمرنا بالعمل ونحن أطفال لنشتري ملابس المدرسة, وننفق على أنفسنا. كنا نمسح سلالم أقاربنا والجيران مقابل أجر.. أما أمي فقد اشترى لها إخوالي ماكينة خياطة, إضافة إلى عملها في مصنع مجاور لمنزلنا حتى تنفق علينا.
اقترح اخوالي على والدتي أن تترك له البنات الكبار, وتذهب معهم بالبنات الصغار, ولكن أمي رفضت خوفا على الكبار والصغار من بطشه وجبروته, فقد كانت ترى في وجودها بعض الحماية لنا.
سيدي.. لايمكن لأحد تخيل معنى الذل والحرمان مثل الذي يعانيهما.. لن يستوعب أحد معنى استحالة أن تتحرك من موقعك في البيت أو تمشي حافيا لأن والدك نائم. لن يفهم أحد معنى أن ترتدي طوال العام ـ صيفا وشتاء ـ فستانا ممزقا, وتأكل رغيفا واحدا, وتنام الليل خائفا, وتصحو النهار مذعورا.
لك أن تتخيل كل شيء, كل أنواع العذاب والقهر والألم, فليست أزمتنا الآن فيما فات, ولكن دعني أكمل لك:
منذ14 عاما, أصيبت أمي بنزيف حاد, مما أغضب أبي, فانهال عليها ضربا, واستنجدنا بأخوالي, نقلناها إلى المستشفى, ولكن قضاء الله كان أسرع.. ماتت أمي.. كلمة الحنان في الحياة, ورفض القاسي تسلم جثتها حتى دفنها أخوالي. وفي الأربعين دخل أبي علينا البيت وفي يده مطلقة عمرها20 عاما قال إنها زوجته.. وقتها كنت أعيش معه أنا وشقيقتي الصغرى, بعد زواج شقيقاتي. جمعنا أبي وقال لنا: لو شكت لي منكم كلمة, فسأضع سلك الكهرباء في عيونكما, وفرغ شقيقتي من عملها في مقلاة اللب لتخدم زوجته الجديدة, أما أنا فكنت أسارع بالعودة من عملي, حتى أنظف البيت وأطهو لهما الطعام.
المهم التفاصيل متعددة, ولكن الأهم أن أبي تزوج ثلاث مرات بعد أمي, وآخر واحدة حملت رغما عنه فطلقها, وعاش بدون زواج حتى حدث الآتي:
سيدي.. منذ8 سنوات, ذهب والدي لأداء العمرة ولم يعد.. انقطعت أخباره عن الجميع منذ سفره.. توجه أعمامي عدة مرات إلي السفارة السعودية يسألون عنه بلا جدوى.. لا يعرف أحد له طريقا. هل تدري كيف كان إحساسنا مع كل يوم نتأكد من غيابه؟..أصابتنا كريزة ضحك, صرخنا زمن العذاب انتهى, روحة بلا رجعة..5 سنوات عشناها على أعصابنا حتى أقمنا دعوى أمام المحكمة لاعتباره مفقودا وعملنا إعلام وراثة. بعدها فقط بدأنا نشعر أننا آدميون.. انطلقنا في الشقة, مزقنا صوره, ألقينا بملابسه في صناديق القمامة, حتى الملاية التي كان ينام عليها والبطاطين التي استخدمها, شبشبه, الأكواب التي كان يشرب فيها, الكرسي الذي جلس عليه, كله حطمناه, تخلصنا منه, أتعرف ما الذي كان يؤلمنا ويعذبنا؟ أنه مات بدون عذاب, لم يعش أمامنا ذل المرض.
حصلنا على أمواله التي حرمنا منها واكتنزها في البنك, كل واحدة فينا بدأت تتحدث عن أحلامها, واحدة ستشتري ذهبا, والأخري تشتري محلات ملابس, والثالثة تشتري سوق الخضار واللحوم, وهكذا بدأنا في تنفيذ أحلامنا, لا يعكر صفو حياتنا سوى منازعات أعمامنا فيما هو حق لنا.
سيدي.. كان كل شيء يسير طبيعيا حتى جاء هذا اليوم.. في شهر رمضان الماضي دعتني زميلتي إلى عقد قرانها, وفيما أنا في طريقي إلى القاعة, لا أدري ما الذي دفعني للنظر خلفي, هل يمكن تصور من كان يجلس على الأرض؟.. إنه أبي, رجل عجوز ممزق الملابس, لا يمكن, هل عاد أبي, أصابني الفزع واستعدت كل تاريخي, اختبأت, خشيت أن يراني, ثم توجهت إليه وأنا ارتجف, نظرت إليه فلم يعرني اهتماما, استيقظت على نداء صديقاتي, فحضرت عقد القران, ثم توجهت إلى إمام المسجد وسألته: هل تعرف هذا الرجل, فقال لي إن أحد أقاربه أتي به منذ فترة من القاهرة وأخبرنا أنه كان يعالج في المستشفي, ويخدم في المسجد, ويغسل السلالم في العمارات المجاورة.
هل يمكن تخيل ذلك, والدي الذي كان يصحو العصر من نومه, ويرتدي أفخر الثياب, يمسح السلالم ويجلس على الأرض. طلبت من الإمام أن يدعوه, وسألته إيه حكايتك فقال لي, إنه كان في مستشفي في السعودية, والسفارة هناك أخبرته أنه مجهول الاسم, وهو لا يتذكر أي شيء عن شخصيته, وعملوا له وثيقة سفر ورحلوه لمصر.. هو يحكي وأنا أستعيد كل المشاهد القديمة تفصيليا.. بكيت وبكيت, لم أعرف لماذا أبكي, هل هذا الرجل المنكسر الذي ينظر لي بمحبة وحزن هو أبي الظالم..
يمد يده ليأخذ مني بعض النقود, أتذكره وهو يقذف في وجهي صينية الطعام لأني نسيت شيئا, يعيدني صوته وهو يدعو لي : ربنا يطعمك ما يحرمك. سألته : مش فاكر أنت كنت إيه زمان؟ وأرد في نفسي : كنت شريرا, قاسيا, بتضرب بسلك الكهرباء والشلوت ومسمينا الحلاليف. نظر إلي طويلا وقال : أنا حاسس إن ربنا بيعاقبني على شيء عملته وغضبان علي. لا أعرف من أين أتيت بهذه الدموع, هل كنت أبكي عليه أم لأنني تذكرته وهو يجر أمي من شعرها وهي تنزف.. أتذكره وهو يرفض الذهاب إلى المستشفي لدفنها.
عدت إلي البيت, دعوت شقيقاتي وحكيت لهن ما حدث, لم يصدقن ما سمعنه, فقررنا استدعاء محامينا, واتفقنا على الذهاب إليه لرؤيته.. إندفعنا نحوه, كادت واحدة تناديه بابا منعناها.. جلسنا معه وبدأ المحامي يحكي لي حكايتنا مع أبينا ـ الذي هو الجالس أمامنا ـ تعمدنا ذكر بعض كلماته مثل الحلاليف حتي نتأكد من ذاكرته, فوجئنا به يبكي ويقول : كيف لأب يفعل ذلك في بناته, أنا كان نفسي يكون لي بنات مثلكم.. قالت له أختي : مش يمكن ولادك لو عرفوا إنك عايش يتبروا منك, نظر إليها باندهاش قائلا : ليه يابنتي إنت قاسية قوي كده.
المهم سيدي.. عدنا إلي البيت أكثر حيرة, جاء خالي لنا وأخبرناه, فقال إنه لابد أن يعود إلى بيته, فهذا حقه.. وقال المحامي : إنه لو عاد سيستعيد أمواله منكن, أعمامكم سيرفضون, وسيقدر عليكن, ولو عالجناه, قد يعود إلى ما كان عليه وينتقم منكن. قلنا مرة ثانية عذاب وذل وبهدلة.
اتفقنا أن نذهب له كل شهر, نمنحه صدقة تكفيه وطعاما وملابس.. فكرنا في إدخاله مستشفي والانفاق عليه ولكن خشينا أن يشفي ويفهم ما فعلناه به فينتقم منا. سيدي.. عقولنا ترفض عودته, ولكن ضميري يؤلمني, صوت في داخلي يقول لي : إرحمي عزيزا ذل, إرحمي آباك في شيخوخته, يكفي ما يراه من عذاب, يغسل سلالم العمارات في عز الشتاء, ألا يكفي انتقام الله.
منذ أيام ذهبنا إليه وجدناه مريضا في حجرة متواضعة بجوار المسجد, وقال لنا إمام المسجد : إن الطبيب أخبرهم بمرضه بالسكر والضغط وماء على الرئة.. أهل الخير أحضروا له الدواء.. وجدت بجواره كيسا فتحته وجدت به خبزا عفنا.. أتألم له ومنه.. أتذكر ذات صباح عندما استيقظ من النوم فلم يجد خبزا طازجا, ففتح رأس أمي بغطاء ماكينة الخياطة.. وها هو اليوم يأكل خبزا عفنا.. إن الله بحق يمهل ولا يهمل!.
سيدي.. نعيش في أزمة بين ضمائرنا وبين ذكرياتنا المؤلمة.. نعجز عن الاتفاق على قرار.. فقررنا الاحتكام إليك, لعلك تساعدنا على اتخاذ القرار السليم بدون أن تظلمنا!.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
وهذا رد المستشار
هنا يظهر الفرق بين من ينطلق دائماً من الأصول الشرعية وبين من يبني آرائه على العواطف ومشاعر الآخرين
سيدتي
ألتمس الأعذار لمن يرى الظلم ويعاني منه, وتغيب أو تتأخر عدالة الله سبحانه وتعالى ـ لحكمة يعرفها ـ عن أنظار العباد.. ولكن عندما يأتي عقاب الله وإنتقامه من الظالم أمام عيني المظلوم وفي حياته, أتساءل كيف لهذا المظلوم أن ينقلب إلى ظالم غافلا عن عدالة الخالق العظيم الذي يمهل ولا يهمل.
سيدتي.. من يقرأ الجزء الأكبر من رسالتك, لابد أن يغضب ويتألم ويطالب بالقصاص من مثل هذا الأب, ومن يقرأ الجزء الأخير, لابد أن يتمهل ويعيد النظر إلى الصورة مكتملة قبل أن يصدر حكمه بدون قسوة أو اندفاع عاطفي.
أعتقد أنك لست في حاجة الآن للتعبير عن الرفض الكامل لسلوكيات والدك قبل فقدانه لذاكرته..فمهما كانت الكلمات فلن تعبر عن الألم والمهانة التي تعرضتم لها جميعا من سلوكيات هذا الأب, والذي لولا نهايته, لكان الكلام فيها لا ينتهي, فما فعله بعيد عن الإنسانية كل البعد, وليس فقط بعيدا عن الأبوة.
ستقولين إنه الماضي الذي يعيش فيكن حتى الآن, ولكن الآن ليس أمامك إلا التعامل مع الحاضر من أجل المستقبل,فالعيش في الماضي لن يزيدكن إلا ألما.
فعندما تصلني رسالة غاضبة من ابن لسوء سلوك أو رعاية أحد والديه, تطل أمام عيني الآية الكريمة : (وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم, فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا..) الخالق, الجابر, المنتقم, عندما يصل الأمر إلى الدعوة للشرك به من أحد الأبوين, يأمرنا بعدم طاعتهما في هذا فقط, بينما يطالبنا سبحانه وتعالي بمصاحبتهما في الدنيا معروفا, هذا في حقه, فما بالنا لو الأمر يتعلق بنا نحن الأبناء البشر, ألا ترين أن في هذه المصاحبة والتكريم أمرا إلهيا يجب الامتثال إليه, فإذا سلمنا بذلك, واستندنا إلى أمر الإحسان ـ المتكرر في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ـ إلى الوالدين, وقررنا أن يكون القرار ابتغاء لمرضاة الله, فإن قراركن سيكون واحدا ومحددا.
سيدتي.. إن لذة الانتقام لا تدوم سوى لحظة, أما الرضا الذي يوفره العفو فيدوم إلى الأبد, واستمعي إلى قوله سبحانه وتعالي (وليعفوا وليصفحوا, ألا تحبون أن يغفر الله لكم )…. ألا تحبون أن يغفر لكم الله, كم هو مقابل زهيد, مهما تكن قسوة الأيام, فالتسامح يا عزيزتي جزء من العدالة.
لا أريد أن أدخل معكم في فرضيات, لأن إذا قلت أنكن لو عالجتوه وأحسنتم إليه قد يعود إلى سيرته الأولى, سأقول لكم ومن أدراكن أن الله قد يعيد إليه ذاكرته الآن ويزداد انتقامه منكن لأنكن تركتموه.
إن ما أنتن فيه من وفرة من حقه, إنه ماله حتى ولو كان ظالما .. لكن عودته وهو فاقد الذاكرة ـ على قدر ما أعرفه ـ لا يعطيه الحق القانوني في التصرف فيما يملك لأنه ليس أهلا لذلك, ولكننصيحتي لك ولشقيقاتك أن يكون قراركن خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى, وأن تذهبن إليه فورا وتعيدونه إلى بيته وتحرصن على علاجه, وثقي بأن الهناء والاستقرار والسعادة لن يعرفوا طريقهم إليكن إذا ظل أبوكن ملقى في الطريق. إن المنتقم يرتكب نفس الخطيئة التي ينتقم لأجلها, فلا تواصلن حياتكن وأنتن ترتكبن نفس الخطيئة, والأولى أن يبكي الابن من أن يبكي الأب, كما قالوا قديماً، ولا تنسي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوالد أوسط أبواب الجنة، فأضع ذلك الباب أو احفظه). بل وأكثر من ذلك تغليظه صلى الله عليه وسلم بحق الوالد فقال: (ما بر أباه من شد إليه الطرف – يعني نظر إليه بحدة). وعندما جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبيه ليقاضيه بدين عليه (يعني الوالد مقترض من الولد) فماذا قال النبي للشاب: قال: (أنت ومالك لأبيك)..
وخذي وعد الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (عفا الله عما سلف, ومن عاد فينتقم الله منه, والله عزيز ذو انتقام) ..
سنو، جزاك الله خيراً على القصة التي أدمعت أعيني .. نعوذ بالله من شرورو أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ..
أروى ، أخجلت تواضعي 🙂
خالة هناء :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(الرفق ماكان في شئ إلا زانه ومانزع من شئ إلا شانه) (الراحمون يرحمهم الرحمان)من هذا المنطلق يجب أن تكون تربيتنا لأبناءنا ويستحضرني قول(لاتكن قاسيا فتكسر ولا لينا فتعصر)ثم القدوة القدوة في معاملة الرسول الكريم
مقال رائع كالعاده.حرصك على حضور المحاضره أو الدوره للدكتور ميسره طاهر شهاده وتاكيد على خبرته و علمه بالنسبه لمواضيع الأسره.أنا شخصياَأحرص على مشاهدة برامجه واستفدت منه كثيرا في حياتى و تربيتى لبناتى الغاليين
محاضرة رائعة ونصائح أروع … لكن مين اللي يطبق… !!!!!!!!!!!!!!!!
أعرف شخصاً لديه كل ما يخطر على البال من كتب تربية الابناء والتواصل الاجتماعي وتقنية الحوار الهادف وقراءة الشخصيات ……………الخ you name it
لكن في النهاية تظل (سعيدة) – هذا اسم الخيزرانة – هي الوسيط بينه وبين أبنائه …
في نفس الوقت نرى ما يوجع القلب من قصص العقوق… ذكرت لي احدى معلماتي قصة عن قرية لاتمر فيها السماء وعلى قد ما صلو استسقاء مافي ولاحبة مطره …
قرر أهل القرية البحث والتقصي إلى أن اهتدو في احدى جوانب القرية الى وجود امرأة عجوز لديها ابن عاق … فلما بقاموا بطرد هذا الابن -وهذا على ذمة الراوي- أمطرت السماء …
رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي… ربنا وتقبل دعاء …
الله يعينا على تربية ابنائنا وزرع المحبه في قلوبهم بارك الله فيك
مَرَرْتُ مِن هُنَآ ، وكآن أجمَل مرُورْ ..
كلآم رآئع وجميْل ، يعطيْك العآفيَة والله ،ويسسعدِك 🙂
شكراً لكم كلكم ، ودمتم بإيمان
its.so sad story,, but what was more wonderful the DR Maysrah answer ..i respect him and his amazing knoledge ,thanks DR
Salam sisters Iam from somaliland thats why i am writing in English i forgot the sisters who wrote the subject sorry coz i didnt say thank you. we have to be more carefull for our attitude and hold to ketab Allah and Sunt rasole.. insha Allah love u people from Saudi Arabia ihad been born in this GREAT COUNTRY BLESS U ALL