حينما أصبت بالسرطان ، كأنما كانت إصابتي هزة أيقظتني من نومة عميقة .. استيقظت لأرى نفسي محاطة بالجمال .. نعم الله حولي في كل مكان وأنا لا أدري .. الآن فقط ، حينما فقدت بعضها ، علمت أي فضل من الله كنت غارقة فيه .
أنشأت لذلك مجموعة ( بعض الناس يحب أن يسميها “قروب” ، إغراقاً في ” الكوالة”) في الفيس بوك وسميتها : النعم المنسية ، وهذا رابطها فيما لو أحببت الانضمام إليها
http://www.facebook.com/home.php?sk=2361831622#!/group.php?gid=114830981862557 .
ولعل أبرز هذه النعم التي لم نلق لها كثير بال نعمة الاستمتاع بالطعام ، وهي النعمة التي أجزم أنه يشترك في فقدها جميع من يتناول العلاج الكيماوي ، والذي يعد أطول أنواع علاجات السرطان زمناً ، وأشدها وطأة ..
قد يكون كلامي مختلف التأثير على من يقرؤه ، فبعضكم قد يجد فيه تذكيراً لأيام سوداء قاحلة لا يود تذكرها .. وبعضكم قد يراها تذكيراً لنعم افتقدها في وقت مضى من حياته ولم يكن يشكرها من قبل .. وبعضكم قد لا يعنيه الأمر من قبل ولا من بعد لأنه لم يمر بمثل ما مررت به ، وغاية ما في الأمر أنه يفقد بعض التذوق إذا ما أصيب بزكام قوي .. ولهذا الصنف الثالث أقول : لا بأس ، تابع معي تدوينتي لعلك تعلم ما أنت فيه من النعم التي لم تتعب نفسك في التفكير فيها من قبل .
قبل أن أبدأ في العلاج الكيماوي أخبرني طبيبي أن الورم من مستقبلات الإستروجين الموجبة estrogen receptor positive ، حيث يكون شديد الحساسية لهرمون الإستروجين في الجسم ، وهذا يعني أن الخلايا السرطانية تستمر في النمو طالما أن هذه الهرمونات متوفرة في الجسم.. ولهذا فإنه منعني من تناول أي مصدر من مصادر هرمون الإستروجين قطعاً للمادة التي يتغذى عليها الورم ..
وكانت الفاجعة بالنسبة لي يوم أن منعني الطبيب من ( بعض ) المأكولات التي يدخل فيها هذا الهرمون .. منعني من تناول الدواجن واللحوم ومشتقات الحليب والبيض فقط .. فقط ؟؟ أذكر جيداً أنه لما ذكر قائمة الممنوعات تساءلت في تعاسة عما أبقاه مسموحاً لي بتناوله .. أنا لا أحب السمك أبداً ، ولست من عشاق الخضروات ولا الفاكهة ، فإلى متى سأستمر في تناول لحوم الغنم ( والتي كانت الوحيدة التي سمح بها ) ؟ هل سأقوى على تناولها يومياً .
فجأة اشتهيت دجاج الشواية وسندويشات كودو ( دجاج ) ، وطبق السليق الرهيب ( دجاج وحليب وسمن بلدي ) ، وطبق البيض بالجبن ( التابو الثنائي : بيض وجبن وربما ينضاف إليها الزبدة ) .. ولكن يبدو أن هذه أشياء ستختفي من قائمة طعامي لفترة مؤقتة ، ليحل محلها البروكلي والفلفل الملون ، والزنجبيل والشاي الأخضر !!
أذكر أن أخي بعد تلك الأيام قدم لزيارتنا من ينبع ، وحملت زوجته لي من أطايب الطعام ” الصحي ” والمراد : المسموح لي به . صنعت لي طبق العيش باللحم من مفرومة الغنم ، وبضع كعكات بدون بيض ، وخبزاً خالياً من البيض كذلك .
أبقيت العيش باللحم لحالات الطوارئ حينما كنت أجوع ولا أجد ما يسد جوعي ، فقد ولى زمن سندوتشات ( جبن الكاسات ) وأكواب اللبن ..
كما اشتريت نصف دزينة من البرجر بلحم الغنم وجمدتها في الفريزر إلى جانب كيلوات من لحم الأوصال المشوي ..
فجأة أحسست أني مللت البرجر والأوصال واللحم بعد أن كانت في يوم ما طعامي المفضل .
ثم أني لما بدأت بتناول العلاج الكيماوي ac ، عرفت أني كنت في نعيم قبل أيام ، وأن حزني وتعاستي كانت ( لعب أطفال ) .. حينما بدأ تغير طعم الفم ورفضت الغدد اللعابية إفراز الكمية المعهودة من اللعاب ، بل و تضافرت معها جهود حليمات التذوق في الثورة على الطعوم ، فصارت تعطيني مذاقات مزيفة وثائرة ..
أحياناً تطالبني حليمات التذوق بتناول ( أكل أحمر فيه مرق ) ، فأطلب من فاطم أن تهيء لي إيدام بطاطس بدون دجاج ولا لحم لأتناوله مع الرز الأبيض والسلطة .. ويسيل لعابي وأنا أتخيل الطعم الجميل ويمتلئ قلبي حبوراً وفرحاً لملاقاة وجبة طلبها لساني شخصياً ، ولكن تكون الصدمة حينما أتذوق اللقيمات الأولى فأجد هذه الحليمات تعاندني كالأطفال فترفض هذا الطعم .. ماذا تريدين إذاً ؟ هل تريدين طعماً أقل حموضة ، أو أكثر ملوحة أو أشد ليونة أم ماذا ؟ أتساءل بخيبة أمل ثم أترك طبقي شبه ممتلئ وأقوم لأبحث عن طعام جديد نافع .
فإذا اجتمع مع هذا الطعم غير المقبول إلحاحاً من جانب أمي أو أخوتي على تناول ما لا أحبه أصلاً من الطعام كالبروكلي أو الخضروات لفائدتها ، فإن هذا – لعمر الله – هو التعذيب بعينه ..
وأحياناً كان لساني يلعب معي ويعطيني طعماً زائفاً لنفسه دون أن أتناول أي طعام ، فكنت أشعر بطعم الأسبرين المذاب في فمي ، ويعلم أبناء جيلي جيداً سوء هذا الطعم حينما كنا نصاب بالانفلونزا ونحن أطفال ، فكانت أمهاتنا تذيب الحبة في ملعقة ماء ثم تجرعننا إياه .. فارتبط هذا المذاق الكريه بالحمى والمرض .
ولما بدأت جلسات العلاج الكيماوي taxotere أيقنت أن ما جرى معي أيام ac كان مداعبة ثقيلة من لساني ، فقط ليتحول الأمر الآن إلى جد ..
كنت لا أتمكن من تناول أي طعام في الأيام الخمسة الأولى حتى أني كنت أفقد في أول كل جلسة ثلاثة كيلوجرامات ، وكانت أمي تتوسل إلي لتناول المزيد من الطعام والذي كان لا يزيد بحال من الأحوال عما تأكله شمسي .. كنت لا أشتهي شيئاً في البداية ، ثم تطور الأمر ليتحول إحساس الطعام في فمي كالقماش .. وأخيراً كان هذا القماش سيء الطعم ، فينتهي بي الأمر لتركي الطعام بالكلية ..
حتى الماء كنت لا أجده مستساغاً .. أما زمزم ، فانس الموضوع !!
وإذا ما دعيت إلى العشاء عند إحدى صديقاتي أبكي على الأطلال .. أطلال حليمات التذوق ( الصاحية ) والتي كانت تعرف أن ما ألوكه الآن هو قطعة بيتزا لا شراب ابنتي القديم .
وسمعت في تلك الفترة محاضرة للشيخ أبي إسحاق الحويني يتكلم في قناة الحكمة عن الطعام وكيف أن المريض لا يكاد يجد طعماً لشيء ، ثم حكى عن شخص قال لحكيم : ما أطيب هذا الطعام ! فقال الحكيم : إنما طيبته العافية .
أذكر يومها كنت مستلقية على الأريكة باسترخاء وكسل وفتور ، فلما سمعت قولته فكأنما وقعت على كنز .. اعتدلت في جلستي ، واتسعات حدقتاي وأصغيت لكلامه ونفسي تحدثني : فعلاً ، إنما تطيبه العافية ، لا الملح ولا السكر .. وأخذت أهز رأسي بطرب وأنا أكرر لنفسي : الله ! إنما طيبته العافية .. ولولا خشية اتهامي بالعته لقلت : ياليل يا عين .
واليوم ، حينما أشتهي شيئاً ، فأذوقه ، فأجده كما أشتهيته تحملني الذكرى إلى تلك الأيام ( والتي لن أصفها بالسعيدة ولا التعيسة ) وأحمد الله على العافية التي فقدتها لفترة من الزمن .. الآن بإمكاني أن أتخيل البيتزا المقرمشة الأطراف ، الغنية بالصلصة الحمراء والمغطاة بالجبن الذائب ، و كعك الشوكولاتة المغطى بطبقة ثخينة من كريمة الشوكولاتة ، فأجد تفاصيل الطعوم واضحة لا تقبل اللبس ، الحامض والمالح والحلو ، كلها معتدلة لا يطغى طعم على الآخر ..
صدقوني .. الآن أجد أن مجرد ذكر هذه الأطعمة ووصفها يثير في نفسي الكثير من المتعة والبهجة فكيف بتناولها !
أخوتي في عالم الكيماوي ممن لم يمن الله عليهم بالشفاء بعد .. اصبروا .. ففرج الله قريب !
ماشاءالله كل ماتكتبي اكثر كل ما أعجب أكثر بأسلوبك السهل السلس……فعلا وان تعدوا نعمة الله لاتحصوها الواحد ياكل مو داري ان هناك آخرين محرومين من نعمة التذوق والاستمتاع بالطعم اللهم لك الحمد حتى ترضى
هنو عزيزتي الحمدلله علي سلامتك فعلا ما نشعر بقيمة الشيئ الا لما نفقده.فكرتيني بأيام الحمل والوحم.أختك في الله أتوحم 9شهورواستني أولد عشان أكل وأعوض الحرمان الإجباري اللى كنت فيه.طبعا أحلامي كلها كانت عن اصناف الطعام اللى أشتهيه والبوفيهات والحلويات .فتلاقينى فى الحمل ما أزيد كثير بس تعالي بعد الولاده وشوفيني.نسأل الله العفو و العافيه وأن يديم علينا النعم العظيمه ويجعلنا نؤدي حق شكرها.أحبك في الله.
يا قلبي يا عمتي .. زكرتيني بهديك الأيام .. والله كان قلبي يتقطع عليكي ..
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..
ومن جد لو الشي دا ما مريتي فيه .. عمري ما كنت حتخيل نعمة الله عليّا في تذوق الأكل ..
ومرررررة حلوة كلمة : إنما طيبته العافية ..
اللهم لك الحمد حتى ترضا .. سبحانك لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ..
أسأل الله إنو يشفي كل مريض ويديم الصحة على كل معافى يااارب ..
وتسلم إيديك عالأسلوب الرائع – تبارك الله – ..
*الحمد لله مداني أقرا وأردّ قبل ما يطفي عليّا الجهاز:/ ..
الحمد لله على الصحة والعافية ..فعلاً زي ما يقولوا ما تآكل الا العافية
الله يرج ابليسك ضحكتيني من وصفك
نفسي اعرف ليش اخترت شراب وكمان حق بنتك وقديم بس ليكون حق شمسيه
الله يسعد قلبك على عباراتك وكلماتك الي كل ماقراتها احس باندهاش من اسلوبك
العجيب الله يباركلك في طرح مواضيعك ويزيدك من فضله
واجرك ان شاء الله مايضيع عند رب العالمين
شمس ، ما كان عندي تعبير أفضل .. الوضع كان – والحمد لله على كل حال – في غاية الصعوبة . والشراب تعرفي أسوأ ما يمكن التشبيه به ( أسوأ شيء ” يمكن ” الوصف به ) .. نورتيني يا شمسنا .
الحمدلله على سلامتك
عندما انتهيت من قراءة سطورك .. كنت قد انتهيت أيضاً من تمرير صور عماتي و أبي ضحايا هذا المرض و بعضاً من معاناتهم .. حتى خنقتني العبرة..
ولكنني بعد قراءة التعليقات استنتجت أنها أيام و مضت وسعدت كثيراً فالحمدلله على سلامتك
أسأل الله أن يديم علينا نعمه
تحياتي لك 🙂
ريم
نعم ، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .. تخيلي إذاً أني أصبت بهذا المرض وأنا في غربة ..
لكن الحمد لله مع هذه الظروف وفي هذه الغربة عرفت قيمة أشياء كثيرة أدخلت في قلبي السعادة .
شرفت بتواجدك .
لهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اني أسألك العفو والعافية …
متعك الله بالصحة والعافية …
لكن ضحكني العنوان مرررررررررررة …
تعرفي الامريكان يوم يسبو واحد كثيرة الهذرة: PUT A SOCK IN IT
أكيد شراب بنتك أنظف بكتير من شراريب عيال بوش… فكيف بالطعم…!!!!