كيف تريده أن يكون لك ؟
6 أبريل 2011 بواسطة هناء
قبل أيام فاجأني أولادي بدعوة على العشاء في إحدى مطاعم المدينة حيث احتفلوا بمرور سنة كاملة على استئصال الورم السرطاني الذي ضربني في صدري .
كعادتي ، لا أتفاعل مع الحدث بشكل كامل للوهلة الأولى ، وإنما أعيش من الحدث – فرحته أو تعاسته – لحظات ثم أخزنه في أرفف الذاكرة ليتم ارتشافه على مهل فيما بعد ، والتلذذ بحلاوته أو مرارته ..
سنة مرت منذ إجراء العملية ؟ سبحان الله وكأنها شهور قليلة ..
الحدث كان قريباً جداً حتى كأني لا أزال أشم رائحة المستشفى وأعيش أحداث الحكاية .
جلست أتأمل ، ومن هنا كانت هذه التدوينة ..
قبل قرابة الثلاثين سنة ، اطلعت على تقرير صحفي يحكي – موثقاً بالصور – حكاية رجل أصيب بالسرطان الذي شوه وجهه ، فأجريت له عملية تجميل ..
كان التقرير مثيراً بكل الألوان الغنية للصور ..
ولما كنت أمتلك قلماً أدبياً لا بأس به لمن كانت في مثل سني فقد دعوت الله –بخراقة تامة – أن أصاب بالسرطان ، ثم أُشفى منه ، ثم أكتب في تجربتي كتاباً أحكي فيه معاناتي !!
والآن .. وبعد مرور ثلاثين سنة أصبت بالسرطان فعلاً ، وكتبت كتاباً أحكي فيه معاناتي . وبقي الجزء الثالث من الدعاء أنتظره أن يتحقق ..
هل هذا هو ما يدعى الأمل ؟
لا أحب هذه الأسماء التي تدّعي الحكمة والرصانة ..
هناك أسماء – في نظري – أقرب إلى القلب ..
أنا أسميه إحسان ظن بالله .
حينما أكون في مأزق – مثل مرضي هذا – وأعلم يقيناً أن الله تعالى لو شاء أن لا أُشفى فلن تفلح كل العلاجات الكيماوية وجميع أنواع الاستئصال في معالجتي ، ثم أسمع وأقرأ كل آيات الترغيب بدعاء الرحيم القدير على كل شيْ ..
فإذا لم أحسن الظن به تعالى أنه سيشفيني ، فقد خبت وخسرت إذاً .
إن من أسباب كثير من تعاستنا أننا نظن بالله تعالى الظن السيء .
لا نتوقع أن تشملنا رحمات الله في أمور كثيرة كنجاح أو توفيق في عمل أو زواج ، أو رزق وغيره لأن شأننا في أعيننا لهو أقل بكثير من أن يحقق الله مرادنا ، ونغفل أن في هذا النمط من التفكير إساءة ظن بالله تعالى ، وأننا إذا كان قللنا من شأن أنفسنا ، فقد قللنا كذلك من قدر الله تعالى إذا اعتقدنا أنه يُدعى ثم لا يستجيب ، ويُرجى فلا يحقق المبتغى ، ويُتوكل عليه ثم هو يخذل من توكل عليه ، وتُظن فيه ظنون الجاهلين به وبقدره جل وعلا ..
ظنوناً نستنكف في كثير من الأحيان –كبشر – أن نلحقها ببعض البشر .. وانظر لتعلم صدق قولي التهافت على أبواب الملوك طلباً في وصلهم ، وعلى أعتاب عيادات الأطباء العظام طمعاً في شفائهم
حينما تلّقى إبراهيم عليه السلام الأمر الإلهي بترك هاجر رضي الله عنها وابنها إسماعيل عليه السلام في ذاك المكان المقفر الخالي من الناس على الحقيقة ..
في الظلام الدامس حين يحل الليل ..
امرأة وصبيها في مكان أحسن ما يقال في وصفه أنه : موحش !
حتى هو ، الرجل ، لم يكن يستطيع – تبعاً للأوامر – أن يبقى معها ليذود عنها إذا ما احتاجت له .
تركها ومضى ..
هكذا بكل بساطة ..
جرت خلفه .. تشبثت به .. تقافزت أمامه وهي تكاد تجن : يا إبراهيم ، أين تتركنا في هذا الوادي الذي لا أنس فيه ولا شيء ، فيمضي في طريقه ولا يلتفت إليها .
عندها تضيء نقطة ما في عقلها : آلله أمرك بهذا ؟ فيجيب أخيراً أن نعم .
فتقول وقد اطمأنت لمراد الله : إذا لا يضيعنا .
نعم .. هي آمنت به ، وعملت صالحاً ، فكيف يضيعها ؟
ألا يكره الله تعالى مساءة عبده الصالح ؟
فلماذا يخذلها بتركها تموت جوعاً وعطشاً ، بل وهلعاً في هذا المكان المقفر؟ أهكذا يكافئ الشكور الصالحين ؟
مشى إبراهيم عليه السلام حتى ابتعد تماماً ، ثم أنه صعد مرتفعاً وتوجه نحو البيت ، ودعا بلهفة الوالد الذي ترك قطعة من قلبه في هذ المكان : ” ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ، ربنا ليقيموا الصلاة ، فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ” .
كان الوادي موحشاً ليس فيه شجرة مثمرة ، والخوف قتّال .
فكيف كان الله تعالى ؟
هل كان لهم كما أراداه ؟
بل كان لهم فوق ما أراداه .. ” أو لم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ” .. فأمنهما من خوفهما ورزقهما زمزم ، طعام طعم وشفاء سقم ، وجعلها ماء مباركة ، ثم أنه تعالى بسط الأمن على منطقة الخوف فجعلها حرماً آمناً إلى يوم القيامة لا يقطع شجرها ولا ينفر صيدها ، وجعل هذا الوادي الأجرد مكاناً مباركاً يجبى إليه الثمرات من مختلف بقاع العالم .
فما تنعم به مكة وما حولها من الأمن والرخاء لهو ظن إبراهيم عليه السلام وهاجر رضي الله عنها بالله تعالى .
والناظر إلى أحوال الأنبياء ، وهم أشد الناس بلاء وأحسنهم ظناً بالله ، يرى العجب في حسن ظنهم ذلك مع شدة بلائهم ، ولا أريد أن أقلب التدوينة إلى محاضرة أو درس، ولكن أحياناً نقرأ بعض القصص والآيات في أوقات تصير قلوبنا أشبه ما تكون بالشجرة الذابلة ، فتنزل عليها كالغيث وتبعث الحياة في خلاياها لتحيى من جديد .
عندما غاب يوسف عليه السلام ، الابن الأثير والحبيب إلى قلب يعقوب عليه السلام ، وطال غيابه سنين طويلة ، لم يفقد حسن الظن بالله تعالى أن يلم شمله مع ابنه ، ولم تفلح الأيام الكثيرة وتتابعها في خلخلة هذه العقيدة القوية في رب البرية . فلما بلغه خبر إيقاف ابنيه الآخرين بأمر من عزيز مصر ، تولى عنهم وقال : يا أسفى على يوسف ، فابيضت عيناه من الحزن , عندها أنكر عليه من حوله هذا التعلق ( بالأمل ) فقالوا : ” تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين ” ..
كان كلام هؤلاء الناس كفيلاً بفت عضد يعقوب وفقده حسن الظن بالله تعالى ، لكن الله وعده موعدة في تلك الرؤيا التي رآها يوسف الحبيب حين كان يرتع في مرابع صباه تحت كنف والده ، وهاهو الوالد الآن ينتظر إنجاز تلك الموعدة وحتى ذلك الحين فإنه يشكو بثه وحزنه إلى الله .
لو كان غيره ، كيف كان يكون الحال ؟
لو كنا نحن من أصيب بمصابه أكنا لا نزال نحسن الظن أنه تعالى سيستجيب دعاءنا بلم الشمل ، أو كنا نيأس ونترك العمل ؟
ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر فلحقت بهما قريش فاختبئا ، كاد قلب أبي بكر ينفطر خوفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تظفر به ، فقال له رسول الله عليه الصلاة والسلام بكل ثقة وإحسان ظن بالحي الذي لا يموت الذي يراه حين يقوم وتقلبه في الساجدين : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ قالها وقريش الآن في هذه اللحظة فوق رؤوسهم تبحث عليهم ، وأبو بكر يقول : يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا .
وقد وعى أبو بكر هذا الدرس .. وعلم أن الله عند ظن عبد به .
فقد روى عمر رضي الله عنه لَمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إلَىَ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ، ثُمّ مَدّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ: “اللّهُمّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي! اللّهُمّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي ! اللّهُمّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ!” ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ، مَادّاً يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتّىَ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَىَ مَنْكِبَيْهِ. ثُمّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ: يَا نَبِيّ اللّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبّكَ، فَإنّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ ..
ماذا كانت النتيجة ؟
” إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ” .
كيف أمكن لأبي بكر أن يحسن الظن بالله وهو يرى أن المسلمين في بدر كانوا 300 ضعاف جياع ، يواجهون ألفاً من الكفار بأعتادهم وأفراسهم ؟
ولكنه علم من الله مالم نفلح – بكل ما أوتينا من علم وقدرة مادية – في علمه .
إذا دعوت الله ثم تقاصرت همتك على الإلحاح بالدعاء لاستبطائك الإجابة فهذا من إساءة الظن .
إذا دعوت الله ثم تفكرت نفسك المخذلة : كيف يستجيب لي الله دعائي وأنا عاص ، فهذا من إساءة الظن بالله .
إذا أصابك البلاء أياً كان نوعه ، فأحسن الظن بالله ، واعلم أنه تعالى قادر أن يكشف ضرك أو يجلب لك ما ينفعك ..
فقط اخرج عن صمتك ، وليهف قلبك إلى روضة غناء تأنس فيها بحسن ظنك بقدير رحيم .
وحتى ذلك الحين فإني أتفيأ ظلال حسن ظني بالله أن يتمم علي وعلى أخواتي في منتدى طهر الشفاء التام ويجعل ما أصابنا كفارات ورفع درجات .
0.000000
0.000000
أرسلت فى من هنا وهناك, نظرات ثاقبة, خواطر ، | مصنف الأمل, الإسلام, الدين, خواطر | 7 تعليقات
سلمت يداك استاذتي هناء
فا والله كل ماذكرتي نحن عنه غاااافلون ذنوبنا حجبت عنا شمس التفكر والتدبر فيما تجري به الاقدار
علينا
اسال الله ان يرضينا بما يصيبنا وان يلهم عقولنا وقلوبنا الصبر والرضا ولذة احتساب الاجر
استاذتي هناء لا يسعني الا ان اقول جزاك الله عنا خير الجزااااااااء
احبك في الله
قال صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه:
(( أنا عند حسن ظن عبدي بي, فليظن بي ما شاء))
يغلبنا اليأس احياناً أو نكون على شفا جرف منه..ولكن ما نلبث أن نعود ونتمسك بحبل الله الذي يقول:(أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)..وكم من المرات وصلت بنا المحن إلى طريق مسدود وإذا بفرج الله يأتي من غير ميعاد .سبحانك ربي ما أعظمك..
بالنسبة لللأمنية التي تمنيتها وانت صغيرة وتحققت فهي مخيفة ..لأن العقل الباطن يخزن الرغبات الللاإرادية لدينا ويجذبها طبعاً قبل كل شيئ هو مقدر ومكتوب لذلك نتعوذ من ابليس عندما يوسوس لنا بأفكار غريبة ربما لهذا السبب والحمد لله ان نجاكي واتم عليكي بالشفاء
رائعة يا هنا كما عهدتك … هذه هي مصيبتنا اننا نسئ الظن بقدرة الله مع ان الله سبحانه وتعالى فوق هذه الظنون ولكن هذا يأتي لاننا لم نتعرف عليه سبحانه ولا على اسمائه وصفاته فجهلنا بربنا اوصلنا لذلك…
جزاك اللخ خيرا واتمنى ان تنزلي هذا الموضوع في المنتدى حتى يقرأه اكبر قدر ممكن
يا الله
أخرجتني والله من غم سخيف أضعت فيه أيامي وليالي!
اقشعر بدني من حروفك
حقاً: لا إله إلا الله
اسأل الله لكِ شفاءً في الجسد ونوراً في القلب
جزاك الله خيرا 🙂
الله يتم عليك الشفاء وعلي جميع المرضا
استاذه هناء كيف ممكن اساعد من اصيب بهذا المرض وخصوصا لو كان من اقرب الناس لك ؟
شكرا نجلاء
مساعدة المريض يمكن أن تتم بأن تكوني أنت والمقربين إلى المريض مجموعة دعم نفسية ، تبثي في قلبه الحماسة وتشجعيه ، تثني عليه ، تساعديه في مرضه لو احتجا طعاماً أو وناسة ، تذكريه بالله حين يضعف قليلا . لا يحتاج أبدا أن تلقي عليه خطب ومواعظ ، بالعكس لا تفعلي فالي يده في الموية مش زي الي يده في النار وماحيتقبل منك .
شوفي منتدى طهر الي إعلانه موجود في أعلى الصفحة في قسم لذوي المرضى فيه مقالات مفيدة للإرشاد عن كيفية التعامل مع المريض .