ذواء الشموع
22 أبريل 2011 بواسطة هناء

جمعتني البارحة جلسة تعارف مع صديقات اينتي فاطم وأمهاتهن .
كانت المرأة تدخل ، وأخمن أم من هي لشبهها الواضح بابنتها التي رأيتها من قبل في بيتي.
عندها هتفت إحداهن بفاطم : تشبهين أمك كثيراً ..
جلس النساء يتحدثن ، في البداية جلست كل فتاة بجانب أمها ، وطفقت أراقب الأوجه وأحاول أن أميز أوجه التشابه ، حتى توقف نظري عند فلانة وأمها ، وهنا بدأت ألحظ الشبه البين بين المرأتين : إحداهما جميلة ، غضة ، ريانة العود ، حيوية ، والثانية تشبهها كثيراً ، لها ذات الجمال ، ولكن بدت عليها علامات السن : الخطوط الخفيفة عند العينين وفي جانبي الفم ، الجسد الذي أنهكه الحمل والولادة المتعددة ، وأثقلته السنين..
هممم .. ألهذا يا ترى يعرف البائعون أني “خالة” ؟ أتراه من انحناءة الظهر الخفيفة والمشية البطريقية ؟
تأملت الأم أكثر ..
هاهي أمامي ، امرأة في منتصف العمر ، تشبهها ابنتها كثيراً .. لا بد أنها هي ذاتها كانت جميلة في يوم من الأيام ..
النظر إلى الأمهات وبناتهن يستهويني ..
هذه كانت مثل هذه في يوم من الأيام ..
تخيلت أني أرى الابنة بعد عشرين سنة ..
مهلاً مهلاً .. ماذا قالت تلك الفتاة ؟
هل قالت لفاطم : تشبهين أمك كثيراً ؟
نعم ، فعلاً .
فاطم تشبهني كما يقولون كثيرا ً .
وهنا نحا تفكيري منحى آخر .
في تلك الصديقة وأمها رأيتني ( إن صح التعبير ) وابنتي .
لا يستطيع الإنسان في كثير من الأحيان أن يرى نفسه ، جماله أو قبحه ، عذوبة ابتسامته أو قبح تقطيبته ، جميل أخلاقه أو سوء فعاله إلا إذا رأى مثلاً لذلك أمامه أو قام أحد بتصويره بكاميرا فيديو مثلاً ..
البارحة رأيت مثالاً لي ولفاطم في تلك الصديقة وأمها .
عندها حولت تفكيري لنفسي .. أنا كذلك كنت صغيرة في يوم كما هي فاطم الآن ..
كنت حيوية ، نشيطة ، مرحة ، يصل صوت ضحكي في مدرستي إلى الفصل المجاور . أكاد لا أمشي ، ولكن كنت أثب وأجري , وأدور حول نفسي أحياناً كثيرة .
استمرت معي هذه الحيوية بعد أن كبرت ولكنها انتقلت من جسدي إلى مشاعري ..
لا زلت أشعر بأني فتاة ، مع أني جدة ..
لازلت أخطئ وأنادي بعض النساء : يا خالة لا لكبر سنهن ، ولكن لشعوري أني لا زلت تلك الفتاة ..
يومها تذكرت فلانة من صديقاتي ، كنت رأيتها آخر مرة قبل ما يقارب 18 سنة . ثم رأيتها قريباً في حفل زواج وذهلت ….
نفس الملامح والتقاسيم ، نفس القوام تقريباً ونفس كل شي ..
ولكن آثار السن ..
آه من آثار السن ..
أظنني ظللت أتأملها حتى شعرتْ بالخوف .
ولكني في الحقيقة كنت أتأمل نفسي في وجهها : هناء أنت ( كدة ) !
ترددت في ذهني لاشعورياً أغنية بريطانية كنت أسمعها أيام مراهقتي .. لا أذكر منها أي شيء إلا مقطعاً واحداً :
Life has changed remember when we were young ?
تغيرت الحياة ، أتذكر حينما كنا صغاراً ؟
ما فائدة هذه التدوينة ؟
لا أعلم في الحقيقة .
لعلها تذكرة لنفسي أن أستدرك ما فات ..
حينما كنت مثل هؤلاء البنات اللاتي كن أمامي البارحة كان بإمكاني فعل أشياء كثيرة نافعة .
كان بإمكاني أن أحسن استغلال حماس الشباب بشكل أفضل وأكثر إثماراً .
ولما كبرت واكتسبت شيئاً من الحكمة ، لعلي لم أنتهز الفرصة في تصحيح الأخطاء .
حتى مرضت بالسرطان ..
واجتمع علي الكبر والمرض .. أدركت حينها كم كنت مغبونة !
أنت لا تختلف معي أن للشباب دماء خاصة بهم تتحول تركيبتها المعنوية مع التقدم في السن ..
لست متأكداً كثيراً مما أقول ؟
إذاً تفكر معي في إقدام الشباب على فعل أشياء خطيرة في شبابهم ، ثم إحجامهم عنها تدريجياً حتى يمتنعوا عنها تماماً حينما يكبروا .
شغفهم البالغ بركوب ما يسمى بقطار الموت في مدينة الألعاب ، وكلما كان القطار أكثر تعقيداً وخطورة كانت الإثارة تصل الذروة .
ولوعهم الشديد بالإسراع في قيادة السيارات حتى تعجب : ألا يقيم هؤلاء وزناً لحياتهم ؟ ألا يخافون ؟
إقدام الفتيات على التزوج بأقرب عريس يبدو مناسباً مع وجود علامات فاضحة في حياته ، ولكنها تريد أن ” تجرب ” حياة الزوجية .
وأنا كأي “خالة” تحترم نفسها ( إذا كنت لا تعلم السبب في كثرة استعمال مصطلح الخالة فراجع متفضلاً تدوينة الخالة .. تحتاج بعض البحث ! ) يرتفع ضغطي إذا ما جاوز أبنائي 140كم /س أثناء السفر ، ويمتقع وجهي بشدة إذا ما صادفت طائرتي بعض المطبات الهوائية عندي سفري إلى جدة ( عجباً .. ألم أكن في يوم من الأيام أقطع المحيط الأطلسي بالطائرة في سفري إلى الولايات المتحدة في حماس وتوثب؟) ، وإذا قرر السائق أن يقود السيارة خلف الخط الأصفر الجانبي بين السيارات وبين الحاجز الاسمنتي بسرعة 120 كم/س فإن أطرافي تتثلج وأشعر بالحاجة الشديدة للهواء ،
أما قطار الموت ، فلم أكن أركبه وأنا صغيرة لأركبه الآن .
ترى مالذي ضيعته على نفسي حينما لم أحسن استغلال جريان دماء الشباب في جسدي ( أكره استعمال كلمة “عروقي”) .
شموعي بدأت بالذواء ولطالما كانت متوهجة ، ولكن إلى متى ؟
الآن أنظر إلى أمي ، وأرى كفيها المعروقتين تحتضن كف ابنتي الطرية فأحدّث نفسي: هكذا كانت كفي وهكذا ستؤول .

وإذا كنت لم أحسن استغلال دماء الشباب ، فإن دمي الآن لم يفسد بعد ..
طالما في الصدر نفس يتردد فلم يتأخر الوقت بعد للتغيير الذي ننشد .
تغيير نحو الأفضل بالتأكيد لا للأسوأ ، وإلا فإني أعجب جداً من بعض النساء في الخمسين اللاتي يكتشفن أنهن أضعن حياتهن في الجد وأن وقت اللهو قد حان الآن .
الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاهن به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً ..
لهو في الخمسين ؟
ماذا بقي على النهاية ؟
حينما يعيش المرء أربعين سنة وهو في عافية وقد مضت سريعاً ثم يبدأ جسده بالاعتلال ، وظهره بالانحناء فيشعر أنه قد قصُر بضع سنتميترات ، ويقوم من سريره صباحاً فيعرج بضع خطوات قبل أن تعتدل مشيته ، هنا لابد أن يفكر ..
هذي الأربعين سنة ، أصل الشباب والحيوية قد انقضت كغمضة عين ..
” أتذكر حينما كنا صغاراً ؟ ” ..
فكيف بما تبقى من سنين الكهولة واعتلالاتها إذا وضعنا في اعتبارنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ” أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين وأقلهم من يجوز ذلك” رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الشيخ الألباني .
غالباً لم تبق على النهاية إلا شيئاً يسيراً وقد أدركنا الوقت ..
لا بد أن نغير ..
لاينبغي أن نكرر الخطأ مرتين ..
لازالت هناك فرصة ..
0.000000
0.000000
أرسلت فى نظرات ثاقبة, خواطر ، | مصنف خواطر | 7 تعليقات
سبحان الله يا عمة .. كلامك والله حسسني إنو مابقيلي شي وانو عمري راح خلاص ..
الله يختملنا بالحسنى .. ويتجاوز عن سيّئاتنا ويثبتنا جميعا ويهدينا 😦
ماشالله تدونية أكتر من روووعة والله .. أحب كتاباااتك يا عمة ……. ❤
حبيبتي ياعمة ..
والله لمن تتكلمي كدا تزعليني ..
أعرف انك تبغي تكوني للأحسن لكن مايمنع أبدا النظرة الإيجابية للحياة وقبول الواقع بسلبياته وايجابياته..
والأمل والحب والعطاء ..
العمر اللي انتي في دا مهو النهاية أبدا ،،
بالعكس هوا بداية مرحلة جديدة ممكن تكون من أحلآ وأمتع المراحل لو نظرتيلها صح واتعاملتي معاها بكل ايجابية 🙂
الله يخليك لينا ولحبايبك ويمدك بالصحة والعافية والعمر المديد في طاعة الله .
سوير
يا قلبي انت لو ما كانت نظرتي إيجابية ما كنت تلاقيني عايشة دحين ..
أنا أقبل الواقع لكني أحاول أن اغيره للأفضل ، وإلا فمن الخطأ قبول الواقع والاستسلام له بكل حذافيره خاصة لو كان واقع الشخص ذاته .
لابد من التامل في الحياة والأخطاء وتصحيحها واستدراك الأمر .
لاينبغي أبداً أن تسرق الدنيا أيامنا أمام أعيننا ولكن لابد أن نتعامل معها بحزم حتى توصلنا إلى مقرنا النهائي . هناك ، وهناك فقط يمكننا ان نلهو كما نشاء ، وسيكون لهونا برضى الرحمن .
سارة انت وهندو بهجات قلبي .
سبحان الله يا هناء وكأنك تقرأي افكاري فأنا افكر في هذا الامر من فترة وقد رزقني الله من جسدت افكاري على ارض الواقع…
هذه هي الحقيقة التي لابد لنا من تداركها وانا لا ارى في ما قلتيه شيئ سلبي كما قالت قريبتك بل ارى كلامك قمة في الايجابية…
لابد لنا من التغيير ما دامت عندنا فرصة والحمد لله ان احيانا الله الى هذه اللحظة التي ادركنا فيها حالنا…
احبك في الله
خاله هناء بالعكس ماشالله انا اشوف فيكي روح شبابية ..صحيح الواحد تتغير عنده الموازين وينضج اكتر كل ما كبر..أنا دحين باقيلي سنة وادخل التلاتين وحاسة دي السنة اختلفت علي حاجات كتير من ناحية المشاعر ومن ناحية الأشياء الي كنت اشوفها مررة حماس ودحين لا…ومع كده اأحس إني ما أبغا شغف الحياة المجنونة يروح كل ما كبرت ..يعني حلو التوازن بس برضه مش عيب إننا نشطح احياناً شطحات نروح فيها عن نفسنا ونرجع لحياتنا الطبيعية بحيث ما نخرج عن دائرة المعقول والدين طبعاً..يعني مثلاً لاتضحكي علي أنا احيان نفسي أنقز على مرتبة زي زمان هههههههههههه لكن دحين الوضع ما يسمح مع الحمل طبعاً..مرة اتحمست ورحت لعبت في المراجيح الي على البحر مع اولادي واتزحلقت في زحاليق البزورة كااااي وكل محد مر يرجع يطالع ورا في المنظر العجيب لكني انبسطت وغيرت جو فلا تزعلي حتى لو كبرتي لا تفوتي الفرص الي ممكن تروحي بيها عن نفسك
ما شاالله ياعمة كلامك درر , وصراحة كل مدونة تكتبيها أقرأها أكثر من مرة من شدة إعجابي بإبداعك,, بتبهريني كل مرة , وكل مرة أقول فين كان دا كله مستخبي الله يباركلك.
الشباب شباب القلب .. it is never too late