تأملات في المطار
7 مايو 2011 بواسطة هناء
أكتب لكم هذه التدوينة من قاعة الانتظار في مطار المدينة إلى أن يتم النداء على رحلتي المتجهة إلى جدة لزيارة أمي الحبيبة قبل أن تبدأ الاختبارات ، فالطالبة التي في سن جدتي في شغل دائم هذه الأيام .. لم أكتب لكم شيئاً عن مذاكرتي بعد ، ولكني أعدكم بتدوينة قريبة عن هذا الأمر إن شاء الله ..
حضرنا في الوقت المناسب ، وكنت قد طبعت بطاقة الصعود إلى الطائرة منذ البارحة لئلا نتأخر .
عبد الله فرح للغاية ، بل يصدق عليه التعبير : يكاد يتشقق من الفرح .. يحب السفر بالطائرة جداً ، وكلما سافرنا إلى جدة بالسيارة يظل يندب حظه أن لم نسافر بالطائرة . اليوم حققت له أمنيته واتخذته محرماً لي .
حتى الآن فالخطوط السعودية التي تفخر بخدمتنا كانت دقيقة في موعدها ، وفي السابعة وخمس دقائق تم النداء على الرحلة ..
تعمدت التأخير حتى ينادى للرحلة النداء الثاني ، إذ أن كافة الركاب يتدافعون بعد النداء الأول للصعود إلى الطائرة وتمتلئ الحافلات ذات المقاعد القليلة . فاتقت مع عبد الله ألا نتجه إلى بوابة الخروج إلا بعد أن يتم النداء الثاني أو الأخير للرحلة .
فعلاً ، تدافع كافة الركاب إلى البوابة بعد النداء الأول ، وبقي نزر قليل للنداء الثاني ، فتوجهنا للصعود ..
ركبت الحافلة وبفضل الله وجدت في المؤخرة ثلاثة أماكن فارغة جلست في أحدها وبجواري عبد الله . نظرت حولي ، وفي المقاعد الأخرى وجدت بعض النساء مع رجالهن من جنسيات غير عربية ، وبعض الرجال السعوديين .
بعد قليل دخلت امرأة وزوجها فهب رجلان من مقعديهما لتجلس المرأة ، فجلست ، وبعد قليل جلس بجوارها زوجها .
ثم دخلت امرأتان تسافران بمفرديهما ، ولبثا برهة ينظران حولهما ، هل من مقعد فراغ ؟ فاصطدمت أعينهما بمقاعد مليئة بالنساء وبعض الرجال الذين ظلوا ينظرون إليهما ببرود وبلا اكتراث ، فوكزت عبد الله بمرفقي وقلت له : قم لتجلس المرأتين ..
اعترض قليلا لكني قلت له بحزم : قم الآن بسرعة . فقام متبرماً وأشرت للمرأتين لتجلسا بجواري .
وهناألحت في ذهني فكرة المساواة .. سبحان الله ، النساء في بلدي لا تعجبهن فكرة خصوصية المرأة ، ويعتبرنها تخلفاً ، ويطالبن بالمساواة التامة بين الجنسين ! كل هذا ليتمكنّ من الخروج إلى المحافل والاختلاط بالرجال ، وقيادة السيارة !!
هناء !! انتبهي .. أنت الآن تتحدثين كما يتحدث المشايخ : اختلاط ، ومساواة وقيادة السيارة .. انتبهي ، فطريقة كلامك لن تعجب الكثيرين ، وقد يتوقفون عن قراءة مدونتك بعدما تتضح لهم ( توجهاتك الفكرية ) .
ولكن دعوني أخبركم شيئاً ..
بغض النظر عن توجهاتي الفكرية التي لن أناقشها الآن ، ولا فيما بعد ، فقد فكرت أننا قد نكون البلد الوحيد التي تقدم النساء في الأماكن العامة على الرجال .
كان في رحلتي جماعة ممن لا تخطئ الأذن لهجتهم البريطانية ، ولا العين لباسهم الهندي ، وربما بعض الأتراك أو الأجناس غير العربية الأخرى ، ومع ذلك لم يقم أحد من رجالهم للنسوة الواقفات ، في حين قام أولئك السعوديين ، ولامرأة غير عربية ، ثم هي من فئة ( الخالات ) إياهن ( حتى لا نتهم أحداً أنه فعل ذلك محابة لعيونها الجميلة التي تختبئ خلف نظارة الشمس !!)
في إحدى تغريدات التويتر كتب ابني مرة أننا البلد الوحيد في العالم الذي يمكن للمرأة أن تتخطى طابور الرجال في البيك لتأخذ طلبها ، ويمرر رجال المرور السيارة عند نقاط التفتيش إذا كان فيها امرأة .. وأضيف ويقوم لها الرجال في حافلات المطار ، وتفتح لها الأبواب المغلقة في الدوائر الحكومية ..
لم أحك لكم ماذا جرى معي عندما أخذت الفسح الإعلامي لكتابي ؟
طيب ، سأحكي لكم طالما أني أنتظر ..
لماذا أنتظر ؟ لأننا بعدما اتخذنا مقاعدنا وربطنا الأحزمة ، ووزعت الصحف ، أخبرونا أن ثمة عطل في الطائرة قد يؤخر الرحلة لساعة تقريباً ، ونزلنا مرة أخرى ..
ويا فرحة بدقة مواعيد الخطوط السعودية ما تمت ..
المهم أني اتجهت بعد ذلك إلى قاعة الانتظار ( وأسميها قاعة لتفخيمها وإلا فهي حجرة واسعة ذات أرضيةمن الباركيه ، تطقطق فيها الكعوب بشكل مزعج ، فتضطر للمشي فعلاً على أطراف الحذاء الأمامي ) .
اتجهت إلى قاعة الانتظار لأجلس بحريتي ، أكشف وجهي وأخلع قفازي وحذائي إن شئت وأتسلى بكتابة هذه التدوينة إلى أن يحين وقت الإقلاع مجدداً .
اعذروني على تشتت المواضيع ، ولكن عندي عادة سيئة ( هل انتبهتم ما أكثر هذه العادات السيئة التي أحظى بها ) أني أكتب كما أتحدث ..
فلو كنتم أمامي أكلمكم شفهياً ، لكنت تنقلت بكم عبر المواضيع المختلفة في ذات الوقت . نحن نثرثر عموماً إلى أن يحين وقت إقلاعنا الجديد .
أعود إلى موضوع الفسح الإعلامي .. توجهت إلى مكتب وزارة الإعلام للمطبوعات مع ابني خالد ومعي نسختين من كتابي فطلبوا مني تعبئة استمارة ما في الدور السفلي .. وقفت برهة لم تتجاوز الربع دقيقة أنظر إليه وكأني بي ذهول .. أنزل مرة ثانية ؟ والله تعبت .. ثم هذا الحذاء يطقطق في الأرض السيراميك ويتردد صداه في أرجاء المبنى .. لا أحب ذلك .. ولا أعلم مالذي دعاني إلى ارتداء هذا الحذاء اليوم . فاستدرت لأخرج ، عندها نادى الرجل خالداً وقال له : طيب تعالوا هنا .
وفتح لنا حجرة جانبية صغيرة جداً بها مكتب ، وأعطانا قلماً ، ثم أغلق علينا الباب بعد أن قال : تفضلوا ، خذوا راحتكم .
عبأت البينات المطلوبة ، ورجعنا إلى مدير قسم المطبوعات الذي تصفح الكتاب سريعاً وقال سأحاول أن أنهيه لكم في يومين لتستلموه قبل أن تسافروا إلى المدينة .
انصرفنا وأنا متعجبة من هذه السرعة في سير الأمور . قلت لخالد ونحن نتجه إلى السيارة : الآن كيف يقولون أن المرأة مهانة ومهمشة في السعودية ؟ أنظر كيف تيسرت أمورنا بفضل الله تعالى ، هذا وأنا امرأة مسنة ولست شابة من ذوات العباءات المخصرة واللثام الذي يبدي أكثر مما يخفي ، والتغنج والتكسر في الحديث .
رجعنا إلى البيت ، وما أن خلعت العباءة حتى تلقيت اتصالاً من مدير مكتب المطبوعات يخبرني أنه قد تم مراجعة الكتاب وصدر الفسح الإعلامي !!
رباه !! هذا الذي أخبرونا أنه يستغرق أحياناً الشهرين ؟
لم يستغرق معي أكثر من نصف ساعة ..
أين دعاة المساواة من النساء ..
اخرجن للعمل في الكاشيرات وسكك الحديد ، وقدن السيارات ، وابقين واقفات في طوابير الفول والبيك والصراف ، وفي حافلات المطار.. وما رأيكن بإدراك الصلاة جماعة في المسجد ؟ أما عن نفسي ، فطالما أني لم أحتج إلى الوظيفة حاجة فعلية فأنا أفضل أن يقوم ذكور عائلتي بفعل كل الأشياء المتعبة خارج المنزل في حين أظل أنا في جو البيت المكيف ويكفيني من الهموم : ما أصنع على الغداء اليوم ؟
عفوا .. سأضطر للمغادرة ، فقد أُعلن عن طائرتي ..
0.000000
0.000000
أرسلت فى نظرات ثاقبة, خواطر ، | مصنف هراءات, المرأة, المساواة, السفر, خواطر | 6 تعليقات
ماشاءالله ياهناء مبدعة…..كعادتك موضوع ظريف وقصير وموضوعي جدا وطبعا…مضحك جدا
ماشااااااااااااء الله عليك يا استاذه هنااااااااااااء تبارك الرحمن
ياريت الطائره تاخرت كمان سااااااااااااعه او سااااااااااااعتين عشان تكتبين لنا اطول وقت ممكن
حديثك ذوووووووو شجون واستطراداتك احلى واحلى
ربي يخليك لنا ويوفقك ياااااااااااارب
بعدين فضلا وليس امرا لاتقولي الطالبه الي في سن جدتي
والله انتي مو كبيره لهدرجه وبعدين العلم مالو عمر محدد هذا احنا طالبات في سن الشباب اكتفينا
بشهادتنا ومانفكر نجلس على مقاعد الدراسه مره ثانيه وانتي ماشاء الله عليك بتكااااااافحي وبتثبتي
ان العمر ابدااااااااااااا مو عائق امام طلب العلم الشباب شباب القلب يا هن هن وانتي تبارك الرحمن
خير من يمثل ذااااااااااااالك
أبلة وداد ، جزاك الله خيرا على تشجيعك الدائم .
سهومة ، ماهو يا بنتي الواحد لازم يواجه الحقيقة وهي أني فعلا طالبة في سن الجدات .. أماكون هذه الحقيقة أمر عادي وجميل ، أو لا فهذا أمر آخر .
أشكرك يا سهومة على مشاركاتك وتعلقاتك التي بحق تصنع يومي ..
مرحبا..
اعجبني موضوعك ..
اما انك تكتبي كأنك تسولفي فأنا اشوفها ميزة ..جميله ,,وماخلتني امل من يوم ماقريت اول سطرين ..
بالتوفيق يااختي ,,وان شالله راح اكون من زورا مدونتك الدائمين ..
–وحبيت اقول انو المواقف هذي تدل على النبل والشهامه مو لانك بالسعوديه ..انا سافرت كثير واختلطت بناس اكثر مسلمين وغير مسلمين اجانب وعرب ..وكانت فيه لهم تصرفات تدل على احترامهم ونبل اخلاقهم ..
–واما عن الوظيفه فهذي حريه شخصيه.. ففيه ناس عندهم قدرة وشهادات للعمل بأحسن الاماكن ولكنهم فضلو يقعدوا تحت المكيف …
د. نجود
شرفتيني في مدونتي ، ويسعدني جدا أنها أعجبتك .. لم أقصد أن السعوديين هم فقط الذين يقومون للمرأة ، ولكني قصدت أن هذا شيء يحدث في السعودية كثيراً وبشكل عادي ومع ذلك لا تزال النساء في بلدي لا يعجبهن العجب . وإلا فكما تفضلت وذكرت أن الشهماة ونبل الأخلاق لا تختص ببلد دون بلد ولا بجنس دون آخر .
تحياتي لك ولا تحرمينا من مرورك .
تجنني يا عمة هندآآ ..
أسلوب وطرح انسيابي مشوق .. حمسني أجلللس معآآكي .. ♥