متع مبهجات : دار الحنان (2)
17 يونيو 2011 بواسطة هناء
حسناً يا سادة ..
دعوني أعدل من جلستي قليلاً ، أحضر كوب الماء إلى جانبي ، أمد ساقيّ المتعبتين أمامي ..
أسند ظهري وأغمض عيني وأحلق في جو الذكريات السعيدة لأعود إلى دار الحنان .
هلا بدأنا ؟
حسن ، ماذا لدي الليلة ؟
كنت قد ختمت المرة الماضية بذكر اليوم الرياضي .
في الحقيقة ، هناك أشياء لا أكاد أذكر تفاصيلها لأن ذاك عهد قديم وانقضى .. فقد أخطئ في ذكر بعض التفاصيل ولكن أعتقد أنه لا بأس بذلك .. فنحن لا نؤرخ للدولة السعودية ، أليس كذلك..
أقامت المدرسة يوماً ما يسمى باليوم الرياضي .
كانت هناك بعض المسيرات والتشكيلات بالرايات الملونة ولا أذكر فعلياً ما كان فحوى هذا اليوم..
لكن الاستعدادات التي سبقته لا تكاد تمحى من ذهني .
اتفقت المدرسة مع إدارة الاستاد الرياضي في طريق مكة والمعروف باستاد الأمير عبد الله الفيصل لإقامة اليوم الرياضي فيه .. وليومين متتاليين كنا نذهب من العصر وحتى المساء لأداء البروفات اللازمة لهذا الاحتفال .
غني عن الذكر أن الاستاد كان فارغاً تماماً إلا منا .
كان بارداً واسعاً لم تنله يد البلى والأنوار الكاشفة في كل مكان .
كان مثيراً بحق ، إذ أن هذه المرة الأولى التي ندخل فيها إلى مكان رياضي مرتب كهذا ..
حجرات تغيير الملابس ، المغتسلات ذات الفواصل و ( الأدشاش ) القوية .
الأرضية الناعمة التي تسمح لنا بممارسة التزلج عليها بسهولة ونعومة .
و لاداعي أن أذكر أن وجبات الغداء والتي كانت تتكفل بها المدرسة لكامل الفريق كانت من ..
نعم .. البروست !!
وفي يوم الحفل كان علي أن أرتدي إلى جانب اللباس الرياضي المقرر : قفازات بيضاء ( كتلك التي يرتديها رجال الشرطاة الملكية البريطانية ) ، وحذاء رياضيا أبيض .. ذلك الخاص براقصي الباليه ، والذي كنا نشتريه من محلات الفالح للرياضة .
لكني لا أعرف كيف ، نسيت حذائي ولم أكتشف ذلك إلا بعد أن قارب الحفل على البدء وقد خرجت أمي من بيتها ، ولم تكن الجوالات قد اخترعت بعد ..
فكان علي أن أؤدي الاستعراض مرتدية شرابي الأبيض فقط ، داعية الله أن لايلحظ الجمهور أني الوحيدة بين الطالبات من كانت ترتدي شراباً وليس حذاء !
وكالعادة ، فإن ( من على رأسه بطحة ، يحسس عليها ) . كنت أشعر أن كل الأنظار اجتمعت لتنظر إلى قدمي ، وأن تلك الأم التي كانت تضحك في الصف العاشر إنما كانت تضحك سخرية مني لأني أؤدي استعراضي بالشراب لا بالحذاء .
لم تفلح محاولات أمي في إقناعي أن الناس لن ينتبهوا إليّ بالذات من بين خمسين طالبة كانت تشاركني الاستعراض ، ولكن لم تكن بيدي حيلة .. فصرت أؤدي دوري وأنا بكامل ( فشالتي ) .
والآن ، كلما يخبرني أحد أولادي أنه لن يستطيع تأدية صلاة الفجر في المسجد لأن ثوبه مبقع قليلاً أو ( مكرمش ) أبدأ في إعطائه المحاضرة إياها : أن الناس ( يا دوب ) يفتحون أعينهم في هذا الوقت فلن يهتموا بمراقبة فلان الفلاني كيف هو ثوبه .. ولكنه لايقتنع ويظل متبرماً متسخطاً إلى أن ألزمه إلزاماً بالذهاب إلى المسجد ، وصوت ما يهتف في ذهني : ألا يذكرك بنفسك في تلك الحادثة؟ فأتنهد وأقول وقد جف ريقي من مهاترته : الله يرحم أمهاتنا ويجزيهن عنا خيراً .
حصص النشاط كانت مثيرة عندنا . كان علينا أن نختار من عدة ( جمعيات ) لننضم إليها ..
حاولت معي مدرسة الانجليزي أن أنخرط معهن في جمعية ( الباسكت ) أو كرة السلة طمعاً في طولي، ولكني لم أحب هذه اللعبة أبداً ، وأعدّ نفسي من أفشل خلق الله في إصابة الأهداف ، فكنت أرفض على الدوام كل محاولاتها .
كنت دائماً أعتقد أن المدرسة المكان المثالي للطلاب لتنمية المهارات الفردية . لذا فقد اخترت جمعية الصحافة .
كنت دائماً أطمح لأن أكون صحفية .
ولعل إصابتي بالسرطان كانت إحدى ثمار هذا الطموح ، إذ أني اطلعت مرة على تحقيق صحفي لرجل أصيب بسرطان في وجهه وأجريت له عمليات عدة حتى عوفي وشفي . فدعوت الله – بكل حماس المراهقة التي كانت تعتمل فيّ ( وغبائها كذلك ) – أن أصاب بالسرطان وأشفى منه لأكتب عنه !
وها أنا الآن ، أصبت بالسرطان ، وكتبت عنه في كتاب لعله يولد قريباً بإذن الله ، وأسأل الله أن يتمم دعائي ويكتب لي الشفاء التام .
في جمعية الصحافة مارست أشياء لم أفكر أن أمارسها أبداً . تعلمت الكتابة بالآلة الكاتبة ، وكنا نكتب المقالات لمجلة المدرسة ، ونجري اللقاءات الصحفية مع بعض المدرسات ، ثم أطبعها على الآلة الكاتبة ، ونصف الورق ، ونقطعه بالقطاعة الضخمة – والتي لم أفلح يوماً في عملي بها .
وفي معرض الكتاب السنوي كنا نبيع هذه المجلة للزائرات ، والآن أستحضر تلك اللحظات ولا أعرف لماذا أتذكر في الوقت ذاته باعة اللبان والمناشف قريباً من المراكز التجارية.
في إحدى الأيام جاءتني أبلة رابحة النقادي إحدى إدرايات المدرسة وطلبت مني أن أحضر للمدرسة عصراً للتعليق على عرض الأزياء الشعبية والذي ستقيمه المدرسة لمجموعة من النساء الغربيات .
حضرت عصراً بالتأكيد ، واطلعت على الملبوسات والمجوهرات الشعبية التي تقلدتها مجموعة من الطالبات من بعض البيوتات الكبيرة المعروفة في جدة والمدينة .
ثم كان التعليق .. حاولت استحضار كل الكلمات المناسبة لوصف الأزياء والمجوهرات ، والعارضات أحياناً إذا ما خانتني الأفكار ..
لماذا تخونني الأفكار ؟ لأن التعليق كان باللغة الانجليزية ، والخطأ أمام هذا الكم من النساء الأوروبيات والأمريكيات ، لم يكن شيئاً مشرفاً بالتأكيد .. ولكن الحمد لله ، مرت تلك الليلة بسلام.
لا شك أن هذه النشاطات المسائية في المدرسة كانت مثيرة وممتعة لأقصى حد ، إذ فيها كم كبير من الإثارة والخروج عن رتابة وروتين البيت .
وعلى الرغم من موافقة أمي شبة الدائمة على اشتراكي في كل النشاطات إلا أنها رفضت وبشكل قاطع انضمامي للزهرات ( الكشافة ) .
وحتى اليوم لا أعرف سبب هذا الرفض .
أحاول أن أقلب ذلك في ذهني فلا أجد سبباً ظاهراً لذلك .
كنت أفعل في النشاطات المسائية ما كنت سأفعله لو كنت في فرقة الزهرات ، من تأخر في الرجوع إلى البيت مساء ، والقيام بزيارات مدرسية إلى مدراس أخرى ، فلم كانت ترفض الزهرات بالذات؟ هذا ماينبغي لي أن أسألها عنه في لقائي بها في المرة القادمة .. إن لم أنس، وإن هي تذكرت .
كان لباسهن يبهرني .. الطاقية العودية اللون تقبع بدلال على جانب الرأس ، تتوسطها شارة الكشافة .. التحية العسكرية ، و ( الصفقة ) المميزة والتي كانت بمثابة ( صيحة ) من صيحات الكشافة.
عالم ممتع مثير لا أعرف عنه شيئاً ..
ولكني لا زلت أظن أن أقدار الله خير .. ومادام الله تعالى قد صرفه عني ، فلا بد أن له حكمة في ذلك .
هل لي أن أختم حلقة اليوم من الذكريات ؟
قبل أن أودعكم أردت أن أخبركم بخاطرة خطرت لي بعد كتابة التدوينة السابقة عن أبلة ميسر .
أخبرتكم أني دهشت وذهلت ووجمت بعد سماعي بالخبر ..
تعلمون لماذا ؟
جلست قبل أيام أحلل سبب مشاعري تلك ..
أنا لا أعرف أبلة ميسر إلا وقد تجاوزت الثلاثين من عمرها .. حينها كنت أنا في السابعة عشر .
ثم توقف بي الزمن وتجمدت تلك الذكريات حتى سمعت نبأ وفاتها بعد 27 سنة من تركي لها .
وجومي ذلك كان لأني تعجبت من وفاتها وهي بتلك السن الصغيرة ..
ولما أفقت ، بعملية حسابية صغيرة انتبهت إلى أنها لم تكن صغيرة جداً لما توفيت ..
كانت قد جاوزت الستين على الأقل .
وهنا كان وجومي الثاني ..
أنا بالذات يتوقف الزمن عندي في مرحلة الشباب ، لذا أجد نفسي دائماً أنادي بعض النساء ممن يبدو عليهن آثار الزمن أناديهن : يا خالة .
ثم أتنبه إلى أنني خالة كذلك ، وأن المرأة التي ( خلخلتها ) لا تكبرني في الحقيقة بأكثر من عشر سنوات .
هممم .. هذا ما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : يبصر أحدكم القدى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه !
أفلح بأن أرى الخطوط الدقيقة على جانبي العينين والفم لتلك ( الخالة ) المسكينة ، وأنسى خصلة الشعر البيضاء السميكة في مفرق رأسي ..
عندما سمعت بخبر وفاة أبلة ميسر ، كأني تخيلتها صغيرة ، لأني تخيلت نفسي صغيرة ..
فلما حسبت عمرها تعجبت من مرور الزمن علينا ونحن غافلون .
وأتساءل .. ترى ، هل سيمضي وقت كالذي مضى لأفيق بعد ثلاثين سنة وأنا في الخامسة والسبعين ، وأبنائي الكبار في الخمسين ؟
اسمعوا ..
كأني أصبت بصدمة نوعاً ما .. أعتقد أن من الأفضل لي أن أختم التدوينة ..
أفضّل أن تكون تدوينتي مرحة ومليئة بالذكريات العذبة ، وما أقوله الآن لا يخدم قضيتي .
إلى لقاء قريب بإذن الله مع التدوينة الأخيرة – مبدئياً – ، وأعدكم إن شاء الله أنها ستكون جميلة .
لا لأني مغرورة بكتاباتي والعياذ بالله ، ولكن لأن الكاتب حينما يصف امرأة رائعة الحسن فلن يصفها إلا بحسنها .
ودار الحنان ، في تلك الفترة لاشك أنها كانت غادة المدرسات وواسطة العقد .
0.000000
0.000000
أرسلت فى متع مبهجات | مصنف متع, الدراسة, الصداقة, بنات, خواطر, ذكريات | 9 تعليقات
الذكريات….آه وما أدراك ما الذكريات نحمد الله عليها أحس إنها وقود إضافي لنا نحن البشر لنتابع مشوار حياتنا
تابعي أخيتي الحبيبة وأنبشي في صفحات الماضي ولكن بشرط الزمن الجميل
تصوري هنو بعد سنوات ستحكي إبنتي عن زمنها الجميل أيضا والذي نحن نردد فيه يارب سلم سلم ..
آآآآه يا سحر ، ماتفكرنيش ..
لكن حسبنا أننا اخذنا نصيبنا من الأيام الجميلة والذكرات العذبة ، وما ينفعش نبأى زي المنشار : طالع واكل ، نازل واكل ,,
الحمد لله على النعم كلها ..
هناء
يانبع الوفاء..
يانهر العطاء..
هاأنا اليوم ياغالية أدون أول تعليق لي في هذه التدوينة
هنيئا لنا بكِ
وبقلمكِ
وبرقي حديثكِ العذب تسعد نفوسنا
وكتبت عنه في كتاب لعله يولد قريباً بإذن الله ، وأسأل الله أن يتمم دعائي ويكتب لي الشفاء التام .
ثقي أنني من المنتظرين لذلك الخبر 🙂
دعواتي تصحبكِ
أدام الله قلمكِ ياحبيبة القلب
يختي والله إنك كنتِ فالتتتتتتتتتتتتتتتها بقوة في الثانوية …
>>> تمصمص شفايفها من الحسرة … XD
يعني بصراحة نحن الطالبات في المدارس الحكومية لانمت للرياضة لا بصلة ولا بفجلة …
والرياضة الوحدةد التي كنا نقوم بها هي رفع الاثقال… أأأقصد حمل الشنط الثقيلة المليئة بالكتب الثقيلة اللي من الابتدائي ونحن نحط الجدول كله وبعدين الغريبة أن ما طلع لنا عضلات بعد كل ذا الشيل …
والحمد لله …
يعني الظاهر كان لازم ناخد فيتامينات مع الويت لفتنق … اهع اهع اهع
والله يخلي الببسي ما بقى عظمة ما سوى فيها هشاشة … يرحمنا برحمته …
يلا بانتظار تحنيسة جديدة …
صدقاً … استمتعت بكل هذه الذكريات الجميلة وخاصة الوصف اللي ينقلنا الى موقع الحدث…
يعني والله كان لازم تكوني في الاندبندنت وللا الديلي ميرور …
<<< بكاشة بس تقول الصدق…
ما شاء الله عندك خيال أو خبال واسع !!!!!!
انا من بنات دار الحنان من التمهيدي الى الثانوي و خريجات 85 ,, خليتوا الدموع تنزل من عيني .. يا الله على داري و الله لحد الان ادكر تفاصل ايامنا كانها من كم سنه مضت فقط …
بس مين كاتب البلوج .. كيف اقدر اتواصل معاكم .. يا ترا مين عايش من المدرسات و مين رحمها ربي ,, ابله ثريا مدرسه العربي في الادبي رحمها الله من الدنيا .. و الله يرحمك يا ابله ميسر ..
افيدوني بالله كيف اقدر اتواصل معاكي و مع الموجودي هنا ؟؟
سهير دفعه 85 ادبي
أهلين سهير . أنا الي كاتبة التدوينة : هناء لقمان يونس . انت من دفعة أريج مطبقاني أظن . شفتي صفحة المدرسة في فيس بوك ؟ http://www.facebook.com/home.php?#!/groups/2235792033/
أنا لقيت عن طريقها صاحبات كثير . جربي حظك ..
شفتي التدوينة الي قبلها والي بعدها ؟ برضه عن دار الحنان ..
سعيدة بمرورك 🙂
السلام عليكم
اولا ادعو الله لك بالشفاء الذي لايغادر سقما
انا من خريجات دار الحنان وافتخر دفعة 93 علمي وفي اليوم الرياضي كنت في اولى ابتدائي من بنات الاطواق اللي معهن اطواق حمراء لو تذكرين وفي المطار كنت في رابع ابتدائي دار الحنان لامثيل لها في الماضي ولا في الحاضر درستني ايضا ابلة نادية تونسي وابلة هيام الاخرس تفصيل وميس فاتن انجليزي وغيرهن ادعو لهن بكل خير فعلا دار الحنان نمت لدينا كل المواهب رسم واشغال ولغة عربية ولغة انجليزية وصحافة وابداع في كل شئ والان انا الحمدلله دكتورة في الجامعة واذكر للجميع ان من اهم اصحاب الفضل علي بعد الله مدرستي رغم اني مش في السعودية ولا يعرفها احد
دمت حبيبتي واتمنى اسمع عنك كل خير
[…] ” بقلم هناء من مدونة تراقيم ، و هي كالتالي ( ١ ، ٢ ، ٣ ) […]