صغائر كبيرة !
16 يوليو 2011 بواسطة هناء
قبل أيام طلبت من أخي الكبير أن يتصل على إحدى مؤسسات السرطان العلاجية في الولايات المتحدة ليحصل على إذنهم بترجمة الفيديوهات التعليمية التي حشدوا بها موقعهم لأقوم بالتعاون مع ابنة أخي بترجمة بعضها لمنتدى طهر لمريضات السرطان .
قام أخي بالاتصال على الرقم الذي زودونا به وشرح لهم مبتغانا فقاموا بتحويله إلى إدارة أخرى ، ليشرح لهم ثانية ، وهكذا تم تحويله عدة مرات ، وفي كل مرة كان يشرح الطلب ويقابل بالاعتذار والتعاون إلى أن وصل إلى من طلبت منه الاتصال في اليوم التالي على القسم المختص ( بالبزنس ) لأن اليوم عطلة رسمية والعاملين الآن من المتطوعين في قسم المرضى فقط ..
تذكرت أن اليوم كان الرابع من يوليو وهو يوم الاستقلال الأمريكي ..
إلا أن ما لفت انتباهي بشدة أن يقوم كم لا بأس به من الموظفين بالعمل في يوم عطلة رسمية تطوعاً لخدمة المرضى .
ثمة أمر آخر ، وهو كمية الأدب والاحترام الذي تلقاه أخي أثناء اتصاله ، وفي كل مرة كانت تقدم له الاعتذرات والتأسفات على التأخير ريثما يتم البحث عن طلبه .
ومباشرة تمت مقارنة هذا الأمر بما يجري عندنا !!
وفي ذهني دار التساؤل : ما الذي يدفع هؤلاء الناس لحسن التعامل مع الغير ؟
وتذكرت حينما كنت في الولايات المتحدة ونقوم بشراء أغراض البقالة ، تنهي ( الكاشييرة) معاملتها مع الزبون بقولها : have a nice day ..
وإنما استدللت بالبقالة لأنها أدنى الأسواق منزلة ومكانة ، إذ بإمكانك أن تشتري منهم بما يساوي 5 ريالات فقط وتتلقى نفس المعاملة الحسنة .
ومن هنا كانت فكرة هذه التدوينة..
كثير من الأشياء نفتقدها في حياتنا وتعاملاتنا اليومية مع بعضنا البعض ..
وإذا نظرنا فيها وجدناها أموراً صغيرة ولكنها كبيرة في الحقيقة ..
إنها صغائر كبيرة ..
هل كان العنوان موهماً ؟
هل حسبت الموضوع أمراً آخر غير ما تقرؤه الآن ؟
ربما كنت تعتقد أني سأتحدث عن موضوع ديني ..
هو موضوع ديني بالفعل ولكن من زاوية أخرى .
نحتاج أن نثقف أنفسنا بثقافة التحلي بالصغائر الكبيرة لتحلو الحياة.
ألا يأمرنا ديننا بإحسان الخلق ، والتبسم في وجه أخيك ، وأن تعين الرجل أو تحمله على دابته فهو لك صدقة ؟
لن أعمم وأقول أننا نفتقد هذه الآداب في التعامل في دوائرنا ومؤسساتنا ومع بعضنا البعض ، فمن قال: هلك الناس فهو أهلكهم ، فقط أقول أننا نحتاج إلى المزيد.
كما أننا نحتاج أن نشجع من تحلى بهذه الفضائل ونشد على يديه .
أثناء زيارتي الأسبوع الماضي لموعدي في مستشفى الحرس الوطني بجدة، طلب مني الطبيب إجراء تصوير للقلب ، وكانت موظفة الاستقبال في ذاك القسم مدهشة بحق في تعاملها .
أزعم أني لم أر بدماثتها وحسن أخلاقها إلا رقماً صغيراً أقل من أصابع اليدين طيلة حياتي .
عندما أتممت التصوير المطلوب اتجهت إليها وشكرتها بحرارة ، فقط لتعلم أن حسن أخلاقها لا ينبغي أن يمر دون تقدير في الوقت الذي كان بإمكانها أن تستغل وظيفتها في إرضاء عنجهيتها التي يتقنها الكثيرون.
ثقافة التحلي بالصغائر الكبيرة تمتد لتشمل أنواع من الصدقات ..
هي غير صدقات المال ، والتي يتهرب منها الكثيرون للمناسبة ..
إنها صدقات الجاه ، وبذل النفس في غير القتال .
ما الذي يكلفك أن تصحب شخصاً في حاجته عند كبير أو وجيه يقدرك فتشفع له أو تطلب أن يساعده فيفعل ؟
ما الذي يكلفك أن ترسل عدة رسائل إلى الميسورين تطلب منهم صدقات لأناس أنت تعرف حاجتهم جيداً فتفك أسرهم وتفرج كربهم ؟
ما الذي يمنع أن تتطوع بما تتقنه لنشر دعوة الإسلام أو تعليم الجاليات آيات من القرآن أو تكون واسطة بين الميسورين والمعوزين في توصيل صدقاتهم ؟
في درس السند الماضي ، كان عند شيختي خمس طالبات ينتظرن دورهن للقراءة عليها .
كل طالبة كانت تقرأ ما لا يقل عن ست صفحات من القرآن قراءة متقنة مجودة ومرتلة ، وهذا أمر يستغرق ما يقارب الساعة على الأقل لكل طالبة ..
كانت إحدى الزميلات تقرأ فرفعت بصري فجأة إلى شيختي وصديقتي الأستاذة أمال كمال فوجدتها تستمع بإنصات إلى القراءة .. توجه وتصحح .
هذه امرأة تبذل نفسها وتقتطع من وقتها الساعات الطوال لتقرئ طالبات لا تأخذ منهن ريالاً واحداً .
ما الذي تستفيده هي ؟
كنت إذا ( سمّعت ) لأولادي قبل أن ينضموا إلى حلقة التحفيظ يصيبني النعاس بعد ثلث ساعة فقط، وأبدأ بالتثاؤب وأغلق عيناي قليلاً ( لأريحهما ) ويخطئ الولد وأنا في أحلامي السعيدة .
حتى إذا ما انتبهت رددت إليه المصحف وقلت له : (راجع كويس وتعال لي بعد المغرب !) ..
عذر فقط لأغفو قليلاً .
يومها نظرت إلى أمال وفكرت : لا يبدو عليها أثر النعاس .. يبدو أنها نامت جيداً البارحة. لكني لو كانت مكانها لخفق رأسي مراراً في هذه الساعات الخمس ولربما رددتهم جميعاً إلى بيوتهم لأتمتع بغفوة هانئة.
لو فكر كل الناس بثقافة البذل والعطاء ، كلٌ في مجاله وما يتقنه فكيف يكون حالنا ؟
انظر إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ” بلغوا عني ولو آية ” البخاري .
لا ينبغي علينا أن نحتقر الأعمال الصغيرة فلا يدري أحدنا بأي عمل يدخل الجنة .
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله ،
وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ” ؟
ألم يخبرنا أن الله غفر لبغي سقت كلباً ماء ؟
ألم يأمرنا أن نكثر ماء المرق إذا طبخناه ونتعاهد جيراننا ؟
لا أريد أن أقضي نهاري في سرد الأشياء الصغيرة التي نفتقدها في حياتنا وتعاملاتنا مع بعضنا البعض ، مما تضفي البهجة والمحبة في حياتنا .
ولكن علينا أن نكون أكثر انتباهاً وبصيرة بها ، فلا يدري أحدنا متى يحتاج إلى المساعدة التي بخل بها عن غيره .
بعد عملية الاستئصال كان علي التوجه إلى المستشفى عدة مرات في عشرة أيام لمراقبة السوائل في أنبوب التصريف المثبت في الجرح ، ولفحص الجرح نفسه وتغيير اللصقات والشاش .
كانت الممرضة التي تولت ذلك فليبنية مسلمة ، أدت عملاً متقناً وبارعاً ينم عن إخلاص وتفان .
وعندما نزع الطبيب أنبوب التصريف في الزيارة الأخيرة ونظفت الممرضة مكان الجرح علمت أني أرغب في الاغتسال حالما أعود إلى البيت ، فقامت برش مادة عازلة على مكان الجرح وأعطتني المزيد من الشاش المعقم اللاصق ، من النوع الذي لا أجد مثله في الصيدليات الخاصة ، ثم ساعدتني على النهوض من السرير , فلم أتمالك نفسي أن هتفت لها : ( إنت مرة كويسة) ! سأدعو لك .
كنت أشعر أني أسيرة إحسان هذه الممرضة ..
نعم .. هي أحسنت لي بإتقان عملها وحسن تعاملها معي في ضعفي ومرضي .
فكنت أدعو لها بالفعل دائماً في صلاتي أن يسخر لها زوجها ويهدي أولادها – لو كانت ذات زوج وأولاد –
المثير في الأمر أن الممرضة تذكرتني في زيارتي التالية بعد خمسة أشهر أثناء أخذ بيانات الوزن والضغط وتعجبت من تذكرها لي وأنا منتقبة ولا يبدو مني إلا نظارتي ..
وبصراحة ، أنا نسيتها ، فكيف تذكرتني هي ؟
لم أجد لذلك تفسيراً إلا أن تكون قد تذكرتني بسبب شكري لها على حسن تعاملها في وقت كانت الممرضات يتحدثن من ( طرف خشومهن ) ، والمرضى ينهرون الممرضات ويشتموهن أحياناً .
لم يكلفها إتقانها شيئاً ، ولم يكلفني شكرها شيئاً ..
لكن ألم يثمر كلا عملينا ثمراً جيداً ؟
والآن ، وقد اقترب شهر رمضان ، شهر الصدقات ..
بادر بالتصدق بمالك وجاهك وحسن أخلاقك.
عود نفسك وأولادك على ثقافة الصغائر الكبيرة .
ولا تحقرن من المعروف شيئاً ، فما كان عندك قليلاً قد يعني لغيرك الكثير .
أطعم الطعام ولو لغير فقير ، فكل الناس يحبون أن يُهدوا شيئاً من الطعام .
أعر أذنك لاستشارة أو فضفضة أو نصيحة .
إذا رأيت ما يعجبك فبرِّك وأخبر صاحبه بما أعجبك وأدخل السرور في قلبه بثنائك .
لا تنس أنت تشكر كل من أسدى إليك خدمة أو معروفاً خاصة ضعاف الناس كالخدم والسائقين والباعة.
أطلق لخيالك العنان في هذه الثقافة .
اخرج عن صمتك وتجاوز كسلك وبادر بالعطاء ، لعل كلمة منك أو فعلاً لا تلقي له بالاً يرفع أناساً لقمة السعادة !
0.000000
0.000000
أرسلت فى نظرات ثاقبة, خواطر ، | مصنف نعم الله, الأخلاق, السرطان, الصدقة, خواطر, رمضان | 11 تعليق
دوبي كنت باكتب في مدونتي ولقيتك نشرتي بوستك ..في نفس اللحظة :)بس انا لسه ما نشرته
الخلق الحسن عند بعض الناس معدوم ..بالرغم من ان ابتسامة فقط قد تفتح أبواب مغلقة..لكن لا ادري لم يبخل الناس بأبسط الأمور ..الله لا يجعلنا منهم.
في مجتمعنا هناك دماثة الخلق لكن قليلة كما ذكرتي..ولكن في نفس الوقت اعتقد عدم اهتمام الموظفين لدينا بهذه الدماثة تعود أيضاً إلى الفئة التي يتعاملون معها فهم أيضاً(ذوي التكشيرة_والعصبية القبلية_والأخلاق التجارية)فكيف بالله يقابله الموظف بأريحية وانشراح صدر مادام من يتعامل معهم من مواطنين لا يعاملونه حتى بإبتسامة (أكيد بتنسد نفسه)
ملاك
المراجع أو العميل في الغالب مكسور بالحاجة ، ولا يستقوي المرء إلا على من يشعر بضعفه وهم غالباً الخدم ومن كان على شاكلتهم ،والأجانب ،وهنا تظهر مكارم الأخلاق.
لابد أن يبدأ أحد يا جماعة.. لابد أن يكون الموظف دمثاً ( بلا عبط) ، ويكون المراجع مهذباً ومحترماً .
المشكلة التي تغيظ أن عندنا أساسيات التعامل ومبدئها 101 في ديننا ، لكن إلى الله المشتكى ..
نعلم ظاهراً من الحياة الدنيا ونحن عن الآخرة غافلون .
الله يعطيكي العافية يا عمتي على الموضوع الرائع , فعلا احنا نفتقد الكثير من الصغائر الكبيرة في حياتنا وتعاملاتنا مع انها اشياء ما تكلف شي ولا تتعب .وفعلا لمن نصادف شخص بشوش ومتعاون ولطيف بتكون بالنسبة لنا كانها من عجائب الدنيا, لانها ما بتنشاف دايما. وانا اؤكد اهمية الشكر والثناء على هذه الفئة الجميلة . واتمنى ان الواحد يشوف تزايد في عددها وخاصة مع الناس الاضعف .
مدري موقعك طلعلي اسم بنكريميم الخنفشاري من فين!!
عموماً هو اسم سينمائي فعلاً .. على غرار ليدي قاقا حسبي الله عليها .
هنو رفيقة العمر أتذكر يوما في جامعة الملك عبد العزيز زكنت قد قررت إكمال دراستي بالإنتساب وحدث أن سجلت جدولي وسافرت ثم عدت للإختبارات فوجدت جدولي رأسا على عقب وجدت موادا
قد أكملتها ونجحت فيها وووو
كان من المهم اللآن حذف هذه المواد وطبعا من سابع المستحيلات تسجيل المتفق عليه
المهم بعد ملاحقات وووو وتوسلات وووو أرشدوني أن الحل الوحيد يكمن في يد مرشدتي الطلابية
أنتظرتها فوق الساعة على باب مكتبها وأخير حضرت ويا فرحتي لقد أقتربت من النهاية
دخلت المكتب وقلت السلام عليكم فردت أطلعي برة هززت رأسي يمنة ويسرة لعلي لم أسمع جيدا ورددت السلام عليكم وهنا جاءتني النبرة أشد وأقوى أطلعي برة
ماذا أقول لها ؟؟؟؟؟ إني لا أطلب إحسانا !!!! هذا عملك !!!!! أين ألأخلاق !!!! ماذا أقول ؟؟؟؟
أتعلمين لم أستطع إيقاف سيل الدموع اي والله لم أستطع
صحيح إني تصرفت بطريق آخر وحصلت على مرادي فالحمد لله لم يكن الجميع بتلك الأخلاق ولكني بعد عودتي البيت ونمت وكنت في غاية التعب والصداع مما جعلني أذهب الى المستشفى بعد 3 ساعات لأجد ضغط دمي 220 يعني زي الكهرباء
هم يضحك وهم يبكي
الدين المعاملة ولكننا مسلمين بلا أخلاق مسلمين إلا ما ندر والله المستعان
اليوم مررت برجل ربما في السيبعين من عمره كل علامات الزمن في وجهه
رث الثياب
يحمل كيسا لا أعلم ما فيه وكأنه شعر قد جمعه من محل حلاقة ربما ليبيعه
في يده لقمة خبز يأكل فيها
ملابسه متسخة جدا
نظرت إليه وتساْءلت هل يجوز عليه الصدقة وهو ليس بمسلم !!
هناك الكثير من المسلمين ممن هم أصعب حالا منه فهل أتركهم و اتصدق عليه ؟؟
لكني لا أراهم الآن فقط أراه هو فهل أدفع له شيئا؟؟؟
ربما لو دفعت له سيتساءل في نفسه عن السبب وربما سيسلم
وربما سيجد هؤلاء أشباه المسلمين فيهرب من الإسلام
وربما وربما
ولكن هنا يجب أن أتخذ قرارا سريعا هل أعطيه أم لا !!!!
ما رأيكن جميعا …..!!!!
سحر..أكيد تعطيه ..الدين لم يقصر الإحسان على المسلمين وإنما كل من يحتاجه فله مكان بيننا..ومايدريك لعل العشرة دولار التي ستعطيه اياها تجعله يفكر بالاسلام بعض الشيء.ولو لم يفكر ففي كل كبد رطبة أجر .
صباح الخير استاذتي الحبيبه هنااااااااء
فعلا شي يدمي القلب , من المفروض مثل هذه المعامله تصدر من شخصيه مسلمه بعث نبيها ليتمم مكارم الاخلاق طبعا الا من رحم الله
متى يعي الناس ان الدين المعامله ؟ وان الانسان من المفروض يعامل الناس كما يحب ان يعاملوه
وفقت ياعزيزتي في اختيارك لعنوان هذه المدونه صحيح هي صغائر ولكنها كبائر عندما تمتهن
اسعد دوما بمروري وتعقيبي على ما تتحفينا به لاحرمنا الله هذا التميز
لالالا يا سهومتي
ما أستطيع ان اقول إنها كبائر لو امتهنت فهذه أمور توقيفية ، ولكني عنيت أنها صغائر ، إلا أنها كبيرة بحجمها وتأثيرها على الناس .
شكراً على تعليقك الذي فعلا يسعدني دائماً .
يجب أن أشكرك أنك أول من عرفتني على مصطلح ومعنى (التصدق بالجاه) وهو مصطلح وأمر كنت أجهله حتى حدثتنا عنه لأول مرة في احدى المحاضرات … وتكراره هنا ذكرني به مرة أخرى.. بالفعل إن التصدق بالجاه لايقل أهمية عن التصدق بالمال أو العمل التطوعي .. ما يميزه هو حجم الخجل الذي يجب أن نتخطاه للقيام بهذه الخطوة .. وأظن أن هذا هو ما نؤجر عليه بالاضافة الى أجر من عمل بها …
وحسن المعاملة … والسلام على من عرفت ومن لم تعرف ..والمشي في حاجة أخيك المسلم … أمور صارت بعيدة عنا مع أنها في ديننا …
لك شكري وتقديري على هذه التدوينة الجميلة …