هلا فعلت ؟
17 نوفمبر 2011 بواسطة هناء
قبل خمس سنوات ذهبت إلى ينبع مع عائلتي الكبيرة لقضاء عيد الحج عند أخي .
كنت وقتها في أيام حملي الأخيرة بابنتي شمس ، ولعل كونها السابعة من أولادي ، وحملي بها تم وأنا في الأربعين ساهما في جعله حملاً متعباً وشاقاً بالفعل .
اغمقّ لوني ، وانتفخ جسدي كثيراً وكان المشي والجلوس والنوم صعباً ،وكنت أستدر عطف وشفقة كل من كان ينظر إلي.
كنت بلا مبالغة كرة تتدحرج بصعوبة ، إذا جلست لم تقم ، وإذا قامت جلست .
ولكني قضيت في ينبع مع أمي وأخوتي وبناتهم وأولادي أوقاتاً سعيدة للغاية .
حتى كان ليلة عيد الأضحى .. اغتسلت ولسبب ما – لعله أقدار الله – نظفت أذني بعود قطني ، وهي عملية أفعلها بين الحين والآخر .
فوجئت بانسداد أذني اليسرى تماماً .
غريبة ..
لم تنسد أذني طيلة أربعين سنة مضت بهذه الطريقة ، ما الذي جرى الآن ؟
حاولت إخراج ما سد أذني ولكني كأني كنت أزيد في حشر الكتلة الشمعية إلى الداخل أكثر وأكثر .
اشتريت قطرة لإذابة الشمع ، كنت أقطرها في أذني أربع مرات يومياً لعلها تسلّك الطريق ، ولا فائدة .
غالباً لا تجد في مستشفيات جدة أخصائيي أنف وأذن وحنجرة يعملون في العيد ، فكيف بينبع ؟
اضطررت أن أصبر ( الصبر الاضطراري ) حتى ينتهي العيد ويرجع الأطباء لدواماتهم .
كنت في تلك الفترة أعاني معاناة بائسة بهذا الانسداد المزعج .
أحياناً كنت أسمع صوت ابني الذي يتحدث أمامي يأتي من الخلف ، فأستدير فقط لأتأكد أنه ليس هناك .
زاد تعبي ودحرجتي وصرت أكاد أصلي فروضي جالسة ، ولازال أمامي ثلاثة أسابيع تنتظرني حتى يحين موعد ولادتي .
ثم ذاك الصداع .. ذاك الصداع كالمطارق تهوي على رأسي ، وأطرافي التي كان تنمل كثيراً .
ما دخل انسداد الإذن في الصداع والتنميل ؟
انتهى العيد أخيراً ورجعت مع أهلي لأرتاح قليلا ، فأنا جد متعبة ، وذهبت فوراً إلى استشاري الأنف والأذن والحنجرة .
دخلت أتمايل كالبطريق وأنا ألهث بشدة ، وجلست متهالكة على الكرسي الطبي .
نظر إلي الطبيب متفحصاً ، وأكاد أقرأ أفكاره وهو يحدث نفسه : ما هذه البطيخة المتدحرجة ؟
أشار بيده إلى الممرضة لتأخذ الحرارة والضغط ، فمددت إليها يدي متذمرة ..
ومنذ متى يطلب طبيب الأنف والأذن والحنجرة الضغط .. بالله عليك تعال ( لتشفط ) اللؤلؤة الشمعية التي سدت أذني وأخلت بتوازني ( وخلصنا ).
220/160 .
شعرت بانزعاج من هذا الرقم ..
ما هذا الضغط المرتفع ؟ ربما لأني مشيت .. ولكن 160؟
سألني الطبيب : هل عندك ضغط ؟
قلت : نعم ، وآخذ له دواء .
قام .. فحصني .. شفط الكرة الشمعية ( و يالها من راحة عظمى ) وفحص ضغطي ثانية ، بنفسه هذه المرة .
لازال الرقم عالياً .
انصرفت من عنده وهو يؤكد علي ّضرورة مراجعة طبيبتي على وجه السرعة ، لأن هذا الضغط مع الحمل لا يبشر بخير .
أختصر لكم المسافات ، وأخبركم أن الطبيبة حين علمت بهذا الضغط أصرت عليّ بالإسراع في الولادة ، فدخلت المستشفى وتلقيت ( الطلق الصناعي ) ولكني لم ألد .
طال الوقت ، وداهم طيبيتي القلق .
رأيتها من بين أجفاني المخدرة تنادي زوجي وتحدثه بشيء ما .
فكرت بذهني الضبابي : لابد أن هناك خطأ ما .
مرت دقائق ثم جاءتني الطبيبة ورفعت الكمامة عن أنفي ليصفو ذهني بعض الشيء وأخبرتني بأن هناك مشكلة .
الرحم لم يستجب للطلق الصناعي ، والضغط لا يزال في ارتفاع ، وثمة احتمال لإصابتي بمتلازمة HELLP الخطيرة ، والتي يمكن تلخيصها بأنها متلازمة تتسبب من وجود مرحلة ما قبل تسمم الحمل وتتميز بارتفاع ضغط الدم وارتفاع إنزيمات الكبد وانخفاض الصفائح الدموية ، وقد تؤدي إلى حدوث التشنجات والغيبوبة والنزيف ومن ثم … الموت !
الحل الوحيد : إخراج الطفل ..
الرحم لا يستجيب ، فكان لابد من إجراء عملية قيصرية لم أقرأ عنها شيئاً في فترة حملي ، لأني كما أخبرتكم من قبل : هذا يحدث للآخرين فقط .
ماذا ؟ لم أخبركم ؟ هممم . يبدو أن الأمر التبس علي وذكرت لكم شيئاً مما كتبته في كتابي .
لا بأس .. اعتبروها فقرة إعلانية عن كتابي ، وبعض ( النحنسة ) التي أحب أن أداعب بها متابعيّ في تويتر وانستغرام بين الحين والآخر .
أومأت لطبيبتي وقلت لها بصوت واهن : توكلي على الله .
وعلى الفور أجريت العملية وأشرقت شمسي على الحياة .
طيب يا هناء .. ماذا نستفيد من قصصك الطويلة التي تقارب الخمس صفحات ؟
الفكرة هي : كم من الأمور تحدث للمرء مما لا تعجبه ، فيظل متسخطاً ، جزوعاً ، بائساً ، لا يكاد يرى شيئاً من مباهج الحياة لأن هذا الأمر أو ذاك أصابه . وتمر الأيام فيرى نعمة الله الكبيرة من حدوث ذلك الأمر ، فيحمده ( إن كان مستحضراً لها كنعمة ) أو يمضي فارغ الرأس يحسب أن اكتشافه هذا صدفة ، وما درى أن هذا فضل الله .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن العبد ليهمّ بالأمر من الأمارة والتجارة ، حتى إذا لم يكن بينه وبينه إلا ذراع نظر الله تعالى إليه فقال : اصرفوا عبدي عنه ، فإني إن مكنته منه أدخلته النار ، فيصرفه الله عنه ، فيظل العبد يتطير ويقول : سبقني فلان ، دهاني فلان ! وما هو إلا رحمة الله .
تعلمت من إصابتي بالسرطان أن أقدار الله كلها خير .
ألم يكن انسداد أذني خيراً لي لأضطر لمراجعة الطبيب فيكتشف ارتفاع ضغطي ويطلب مني استشارة طبيبتي التي تأمر بعملية قيصرية فورية وإلا تعرضت للموت ؟
كيف كنت سأعرف عن ضغطي أي شيء وأنا أتمتع بعادة سيئة للغاية في عدم زيارتي للأطباء إلا حين يستفحل الأمر .
واستفحال الأمر في مثل وضعي هو بدء الطلق .
ألم تسمع من قبل عمن تأخر عن رحلته ففاتته ، فعاد مبتئساً ليعلم فيما بعد بسقوط الطائرة ؟
ألم تنو من قبل أن تبيع ذهباً فائضاً عندك لارتفاع سعر الذهب ، ولكن لم يتسن لك ، فأحسست بالغبن والخسارة ، فقط لتجده بانتظارك حين تحتاجه فعلاً بعد عدة أشهر .
ألم يحدث أن وجدت بيتاً اعتبرته ( لُقطة ) تريد أن تنتقل إليه ، فحال بينك وبين ذلك أمر فحزنت ولعلك تسخطت أو قلت في حق الله ما لا ينبغي ، لتجد بعد ذلك بيتاً أفضل وأرخص وأحسن جيراناً ؟
ألم يعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن من أصابته مصيبة فاسترجع وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها ، فإن الله تعالى يعوضه خيراً .
هل علّمت نفسك أن تسترجع كلما أصابك ما لا تحب ، وتقنع نفسك أن أقدار الله كلها خير لئلا ترديك في حفر التسخط والأحزان ، ثم بعد ذلك قضاء الله نافذ فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ؟
هل علمت نفسك : ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ؟ فإن أصابك ما تكره أرجعت ذلك لحكمة لا تعلمها واطمئننت لحكمة الله ؟
إذا لم تعلم نفسك ذلك ، فأرجوك .. افعل ذلك الآن .
0.000000
0.000000
أرسلت فى خواطر ، | مصنف نعم الله, الأمل, خواطر, ذكريات | 13 تعليق
كلامك مؤثر وأصابتني قشعريرة حينما قرأت قول ابن مسعود رضي الله عنه.
جزاك الله خيرا ، ولا حُرمنا من قلمك. وبانتظار كتابك 🙂
شكرا نجلاء .
كلام ابن مسعود منقوش في قلبي ، كلما اغتممت لعدم حصول شي مما أحب تذكرته فينجلي عني كدري .
ذكرتيني مررره بقصتي في ولادتي الثانيه … لكن انتي ضغط وانا جلطه في ساقي وبرضو ولدوني قيصري وكتبت عنها في مدونتي لكن مدونتي عامية بسيطه جدا اعبر فيها امور ابسط من حياتي
والله يخليلك شموسه
تسلمي حنين
مدونتك جميلة للغاية ، جعلتني في الحقيقة أتمنى لو كنت أحب الأشغال الفنية ، ولكنها للأسف ليست من هواياتي .مهمتي النتفرج و التحسر فقط لا غير 🙂
راااااااااائعة يا هناء اللهم ارزقنا حسن قراءة اقدارك
اللهم آمين
شكرا هتون على المرور الجميل ، ودمت بخير
اتذكر مقولة لسلمان العودة يقول فيها: لو اطلعت على الغيب وما قدر عليك لما اخترت شيئاً سوى ما اختراه الله لك وقدره عليك… أو كما قال …
ويمكن في ضياع رمادا خير لك ولاسرتك وحكمة لاتعلمينها …
<<< شكلي حأفضل أعيد وأزيد على موضوعها لفترة ما …
والله خسارة ما سفت شموسة المرة الفايتة … بس توفي فيها الخير والبركة… لمن شفتها قالت لي: أيوة دحين ازكرتك .. ههههههههههه
زركتني بالبلهونة ندو بنت أختي … 🙂
وفعلاً مقولة ابن مسعود فيها موعظة بليغة … بإذن الله سأفعل استاذتي … بإذن الله …
وقليل عبدي الشكور ! قله من يستوعبوا الدروس التي تأتي بها المحن ، ولو تأملنها قليلا لوجدنا في طياتها المنح . لك الحمد يا رب على كل حال . أسعدني زيارة مدونتك والتعرف عليك أكثر شيختنا هناء (؛
محبتك
مريم
أسعدتيني مريم بمرورك
دمت بعافية من الرحمن
صح كلامك من جد أحياناُ نتسخط على أمور وفي النهاية يكون فيها خير لنا..الواحد ما يدري الخير فين ..
يارب لك الحمد على نعمك حمدا كثيرا ملىء السموات والارض استمري في الكتابعه ياحبيبتي
كلامك صحيح مليون في الميه بارك الله فيك
كنت أحتاج كلامك هذا ، ليت بامكاني التعرف عليك ياهناء