نحوحياة وردية !
5 أكتوبر 2012 بواسطة هناء
في عام 1985م تحالفت مجموعة من المنظمات الأمريكية لإقامة حملة وطنية كبرى ( أصبحت عالمية فيما بعد ) للتوعية بسرطان الثدي National Breast cancer awareness Month (NBCAM).كان من أهداف هذه الحملة : توعية النساء حول أهمية الكشف المبكر ، وجمع الأموال اللازمة لتمويل الأبحاث والدراسات المتعلقة بسرطان الثدي ، بالإضافة إلى إمداد المرضى بالدعم والمعلومات الضرورية ، إلا أن الهدف الأصلي لهذه الحملة كان تعزيز دور أشعة الماموغرام كوسيلة أساسية لمحاربة سرطان الثدي .
وفي عام 1993 قامت إيفيلين لودر ، نائب رئيس مجلس إدارة شركات إستي لودر المشهورة في مجال التجميل والعطور بإنشاء مؤسسة أبحاث سرطان الثدي وجعلت من الشريط الوردي علامة لها .
وفي كل عام تقام في المدن العالمية في شهر أكتوبر النشاطات التي تذكر بهذا المرض والجهود المبذولة في التوعية على مدار العام . فتقام سباقات الماراثون والبازارات ، وتكتسح الأسواق المنتجات الوردية أو التي تحمل الشريط الوردي والتي تجعل جزءاً من ريعها لتمويل الأبحاث وترتيب زيارات مجانية للنساء لإجراء الماموغرام ، وتضاء بعض المباني المشهورة باللون الوردي كالبيت الأبيض ومبنى الإمباير ستيت في الولايات المتحدة ، وقصر باكنغهام البريطاني وبرج العرب الإماراتي ، وغيرها من المعالم العالمية المشهورة .. كم اشتهيت أن أرى قصر المصمك أو برج المملكة يضاءان بالوردي ..



وفي عام 2004 قامت هند البرعي الطالبة في مدرسة ثانوية في ولاية ميزوري الأمريكية بإنشاء ما يسمى بيوم الحجاب الوردي شاركت فيه مع مجموعة من الناشطات ( والناشطين ) في الفعاليات القومية للتوعية بسرطان الثدي مرتديات حجاباً (وطواقي) وردية في محاولة جيدة لإثارة فضول الشعب الأمريكي للسؤال عن هذه الشعيرة وعن الإسلام .
الكثير والكثير يتم ترتيبه من أجل التوعية في مجال سرطان الثدي والذي أدى إلى زيادة الوعي بأهمية الكشف المبكر وبالتالي سرعة معالجة المرض وانخفاض معدل الوفيات بإذن الله تعالى .
في شهر ذي القعدة من عام 1430هـ وأثناء قيامي بالكشف المنزلي للثدي اكتشفت ورماً صغيراً بحجم حبة الليمون بنزهير أو كرة الطاولة . كان ورماً صلباً كحبة الجزر لا رخواً ولا ليناً ، ثابتاً لا يتحرك تحت أصبعي . لم يكن ثمة ألم ولا إفرازات .. ورم فقط ، كان اكتشافي لذلك الورم بوابة لدخولي عالم جديد ..
حينما زرت الطبيب ليشخص الورم سألته : هل سأعيش إلى سنة ؟ فضحك الطبيب وقال : يا شيخة أذكري الله .
بعد ذلك بثلاثة أسابيع دخلت دوامة مرض السرطان من فحوصات وعلاجات . كان لا بد لي أن أواجه هذا الشبح المروع الذي يجثم على (صدور) النساء ، وفي ذهني الآلاف من الصور السلبية التي تلقيناها من الإعلام والناس من حولنا والتي مفادها شيء واحد : السرطان يعني الموت .
لوهلة كدت أنجرف وراء ذلك التفكير إذ لم تكن لدي معلومات كافية عن السرطان أبداً –وأنا التي كنت أعد نفسي من فئة المثقفين – كما أن فكرة الإصابة بالسرطان لم تكن واردة في ذهني ألبتة ، فهذه الأمور السيئة تحدث للآخرين فقط ، فلم يكن ثمة داع للقراءة فيها . ولكني لما شُخص ورمي تأكدت أن هذه الأمور قد تصيبني أنا أيضاً ، وكان علي أن أختار أحد طريقين : إما الاستسلام للنظرة السوداوية السائدة – وقد كدت بالفعل حين كففت عن شراء أي شيء شخصي حتى لا أبدد أموال (الورثة) – أو أن أقف لأحارب المرض وأنقذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى لي من أيام قلّت أو كثرت .
قرأت في إحدى الكتب مقولة أرشدتني للطريق الصحيح : لا يختار المرء متى يموت وكيف ، ولكن يمكنه أن يختار كيف يعيش.
اخترت أن أعيش في نور العلم ، إذ أن ظلام الجهل يعطي تصورات خاطئة وقد يعطي أبعاداً للمرض أكبر من حجمها. بعض الناس يموتون لا لأجل المرض ولكن لأجل الخوف والجزع والوهم الذي يقتل ببطء .
من قال أن السرطان يميت بالضرورة ؟ أنظر حولي وأرى الكثير والكثير من النساء اللاتي تجاوزن هذه القنطرة بسلام واستعدن حياتهن الطبيعية . علمت أن المشكلة في مجتمعنا في الموروثات التي تجعل السرطان عند الناس البعبع المخيف الذي يخشى الناس من ذكر اسمه صريحاً فيكتفون بالإشارة إليه (بالخبيث) كما يسمون الجن (بسم الله) .
كل يوم يمر أقرأ فيه الجديد من المعلومات والتلميحات المفيدة في مواقع السرطان الأمريكية كان يشعرني بحاجة مجتمعنا الشديدة إلى نشر ثقافة السرطان بطريقة أكثر جدية وفائدة من بيع الدبابيس الوردية الأنيقة في البازارات وتسلق جبل إيفرست وإنشاء أكبر شريطة وردية في العالم ..
كل يوم أطلع في الانترنت على إلمام المريضات الأمريكيات بأنواع العلاجات التي يتناولنها ومراحل مرضهن وتشاورهن مع أطبائهن بشأن خطط العلاج وتعامل الأهل والأقارب مع المرض ، والمئات من الكتب التي تتكلم عن السرطان في جميع مجالاته وجزئياته بلغة موجهة للعوام ، والآلاف من مقاطع الفيديو المعدة بعناية لتثقيف المريض ومن يرعاه في كل شيء يمكنك أن تتخيله ، كل ذلك كان يصيبني ببعض الإحباط أن لا زال الوضع في مجتمعي مبهم وعائم .
أين الجهود الحثيثة في التوعية ؟ أين دور مراكز الأورام في التثقيف الصحي ؟ أين دور رجال الأعمال والبنوك والشركات في خدمة مجتمعاتهم ؟ ما هو دور الجامعات في التوعية ؟ ماذا عن الإعلاميين؟ حينما أقيم ملتقى المتعافين من السرطان في الرياض في شهر جمادى الثاني عام 1433 هـ عبّر في تويتر الدكتور عصام مرشد @emurshid رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للأورام وأحد الأطباء المنظمين للملتقى عن ضيقه وخيبة أمله من رفض بعض المشهورين لتقديم فقرة إلا بمبلغ مالي لا يتناسب مع طبيعة الملتقى الخيرية غير الربحية ، في الوقت الذي قام فيه بعض الأطباء بالتبرع من أموالهم للمساهمة في إقامته !!
نساؤنا يرفضن إجراء الكشف المبكر خشية اكتشاف المرض ، المتعافيات لا يردن الحديث عن تجاربهن لأنهن يتمنين طي هذه الحقبة من حياتهن للأبد ( مع أنهن بالأمس القريب كن يبحثن عمن يقدم لهن الأمل ) ، السرطان لا يزال يرتبط في أذهان الناس بالموت ، المكتبات العربية تعاني من القحط والتصحر في الكتب التي تتحدث عن السرطان بشكل مبسط يفهمه العامة ، والمريض الذي أصيب يتخبط بحثاً عن المعلومة الموثقة بلغة يفهمها لأنها عربية أولاً وسهلة ثانياً .
أنا أتقن الانجليزية وأعرف كيف أستخرج المعلومات التي أحتاجها من مظانها ، ولكن ماذا عن الآلاف من النسوة اللاتي لا يكدن يجدن المعلومة بسبب انشغال الأطباء بالكم الهائل من المرضى الذين ينتظرون خارج العيادات ، وبسبب ضعف الإعلام في تغطية هذا المجال مقارنة بمجال الرياضة ( وكرة القدم على وجه التحديد) والفن ، وبسبب اقتصار دور المستشفيات ومراكز الأورام على تقديم العلاج وبعض النصائح داخل المركز وعلى نطاق ضيق .
سنة كاملة عايشت فيها الفحوصات المختلفة والعلاج الكيماوي وعملية استئصال الثدي والعلاج الإشعاعي . كان رفيقي في هذه السنة : مواقع السرطان الأمريكية ، وكتب كنت أشتريها عبر موقع أمازون والتي تتحدث عن شتى المجالات، فهناك كتب كاملة ومفصلة للعوام عن العلاج الكيماوي والعلاج الإشعاعي ، وأخرى عن العملية الجراحية ، وثالثة مصورة عن التمارين الرياضية التي تحتاجها المرأة بعد إجراء عمليات الاستئصال والترميم ، بل واشتريت كتاب طبخ خاص بمرضى السرطان يذكر فيه الكثير من المعلومات الغذائية الهامة ووصفات صحية تناسب مرضى السرطان في إخراج فني احترافي راق. كما رافقتني في تلك الفترة المدونة التي أنشأتها في البداية والتي كنت أصب فيها مشاعري وأحداثي اليومية لأتلقى الدعم المعنوي من الأهل والأصدقاء.
تغيرت حياتي كلية بعد الشفاء .. فبعدما أحسست أن الحياة تتفلت من يدي صرت أبحث عن أشياء مثيرة لأستمتع بها. صرت أهتم بالتثقيف والتوعية ، ولذلك حولت مدونتي تلك إلى كتاب أسميته الحياة الجديدة ، أيامي مع سرطان الثدي ، وضعت فيه كل ما مررت به من فحوصات وعلاجات وآثار حتى تطلع المرأة العربية على ما اطلعت عليه لعلها تستفيد كما استفدت، وصرت أهتم بالرياضة والتزام الطعام الصحي قدر الإمكان ، استأنفت دراستي الجامعية عن بعد وصرت أبحث عن نشاطات تشعرني بالإنجاز ، كل إنجاز أقوم به ولو كان تدوينة تلقى إعجاباً من القراء ، ولو كان كيلوغراماً أفقده من وزني ، ولو كان جزءاً من القرآن أنهي مراجعته ، أي إنجاز كان يشعرني بالرغبة في الحياة التي كدت أفقدها لولا أن منّ الله علي .
ولا زلت أتساءل بحسرة : متى تنتشر ثقافة السرطان بشكل جاد ومدروس في بلادنا ؟ متى نجد أطفالنا وشبابنا يفهمون تداعياته ، ويجد المريض فرق الدعم support groups منتشرة في كل مكان ، وتقام الفعاليات المستمرة ويعتاد الناس سماع اسمه حتى لا يعود شبحاً مرعباً ترتعد له الفرائص وتنقبض منه القلوب ، وتمتلئ أرفف المكتبات بالكتب التي تتناول جوانب هذا المرض حتى لا يعود مريض السرطان يشعر بالغربة ، فهاهو الكتاب الذي يخصه جنباً إلى جانب كتاب يتحدث عن الروماتويد أو تصلب الشرايين أو السكري .. أمراض مزمنة وخطيرة ، لكنها ليست قاتلة بالضرورة . متى تجد المريضة المحلات المتخصصة في بيع مستلزمات (السرطان) متاحة في جميع الاسواق ، وتقيم المستشفيات ومراكز الأورام الدورات لعامة الشعب للتثقيف في هذا المرض وطرق التعامل مع المريض . متى يتمكن المريض من الاستمتاع – ولو جزئياً- بحياته ويقيم إنجازاته بعيداً عن الهموم والمخاوف في مجتمع واعٍ ومثقف.
متى سيتعاون الجميع للتصدي لهذا العمل البطل وتحقيق أحلامنا ؟
من سيجعل حياة نسائنا وأُسَرهم وردية ؟
0.000000
0.000000
أرسلت فى من هنا وهناك, نظرات ثاقبة, خواطر ،, ذكريات بطعم السرطان | مصنف الأمل, السرطان, خواطر, سرطان الثدي | 11 تعليق
تدوينة اكثر من رائعة ، الصراحة احنا فعلا محتاجين توعية اكثر عن سرطان الثدي والمحزن انو احنا كطالبات في كلية طب اكتفينا بتعليق الدبوس ،والى الان ماوجدنا الفرصة لعمل اي حملة للتوعية أو حتى نفس الكلية ما اهتمت بالموضوع وانشغالنا بالدراسة يلهينا عن التوعية ،، أبلة هناء رسالتك حتوصل لكل النساء لأنك بتكتبي بنية صادقة و عن تجربة ومتوكلة على الله ، ف ربنا معاكِ وبالتوفيق
سلمت اناملك استاذة هناء 🙂
الله لا يوريك في (فئة كبيرة) من المجتمع غير واعيه ابداً .. لو أحد جالو سكر يطالعولوا بشفقه كانو حيموت قريب .. اتمنى نصبح مثقفين في هذي الأمور
نحتاج للتوعية في كل مجال ، مرض ، أشياء كثيرة تحتاج إلينآ
نحتاج لإقتناص الفرص لنعي أننا نحتاج للكثير من العلم ..
سلمتِ وسلمت أناملك ومتعك الله بالصحة والعافية .. تدوينه راائعة وتحوي المختصر المفيد ..
نحن بحاجة للثقافة الصحية عموما لجميع الأمراض ، والمجتمع بحاجة لننشر مفهوم (( التوعية الصحية )) قبل فوات الأوان فالبعض يخاف ينفر بمجرد أن تكون لديه معلومة عن أي مرض خاصة إذا كان مزمن …!!!
تدوينه أكثر من رائعه يا ابله هناء انا اعتقدا أنو كل المجتمعات وخاصة الغربيه وحتي بعض العربيه مهتمين نوعا ما بموضوع السرطان وانواعه ومدي أنتشاره ألا عندنا هنا في السعوديه مااعرف ليه يمكن قلة التوعيه يمكن
كلام جدا جدا جميل وآثر فيا بشكل كبير
بس أنا دايم اتسائل أنا كفرد (عامي) كيف أساهم بموضوع التوعية
المساهمة بحد ذاتها غير ضرورية ، المهم هو الاستفادة من التوعية . ابدئي بنفسك وبأقاربك وصديقاتك
كمية من الروعه مشاء الله عليك
الحمدالله يارب
بالفعل نحن بحاجه إلى تثيقيف ذواتنا قبل كل شيء
ملهمه أستاذه هناء
والله يشفي جميع مرضي المسلمين
بارك الله فيك .. والله يسعدك بكل أيامك وفعلا السرطان كابوس للكل انا أختي فيها والحمد لله الحين احسن وقاعده تتابع العلاج دعواتكم لها اتمنى منك وضع قائمه بأسماء الكتب الاجنبيه خصوصا الخاصة بالأكل لمرضى السرطان وشكرا لك
الله يعافيك يارب ويشافي كل مريض عادة كثير من الناس تطوي الصفحه وما تحب تتكلم علشان تنسى وحنا العرب ماعندنا مع الأسف موضوع مجموعات الدعم او الوعي في التحدث بصراحه عن آلامنا غالبا ما ندفنها في اعماقنا لانا تربينا ان كل شي عيب ولا احد يعرف فصار عندنا كم من الاسرار تحول ألي عبئ ثقيل مع الزمن .. فعلا مجتمع مريض نفسيا ويكابر