أن تتكلم أو لا تتكلم ، هذا هو السؤال !
19 نوفمبر 2012 بواسطة هناء
عندما يبلَّغ شخص ما بأن عنده مرض السرطان فإنه لا يمكن لأحد أن يقدر حجم الضعف الذي يصير فيه هذا المريض . سيدمر هذا الخبر حواسه وتقديره وقدرته على التفكير بوضوح ، وهذا حال كل من أصيب بصدمة ما : يتردى معنوياً ويصبح محتاجاً –وبشدة – للرعاية .
لذا كان من الضروري بمكان أن يرافق مريض السرطان قريب أو صديق أثناء زياراته إلى الطبيب ، يدوّن الملاحظات ، ويسأل الأسئلة ، ويخبر الطبيب بأشياء حصلت مع المريض ، ذلك لأن المريض يكون ذهنه مشوشاً بطريقة لا يمكن تخيلها .. حتى هو لا يعي أهمية ذلك إلا إذا جرب ، وذهب وحده فإنه ينسى أغلب ما قيل له مالم يسجله .
إلا أن المقرب من المريض بشكل عام والمرافق بشكل خاص ينبغي أن يتحلى بصفة شديدة الأهمية ، وهي أن لا يكون ثرثاراً . المريض يحتاج أثناء زيارته للطبيب أو لإجراء فحوصات أو أخذ جلسات العلاج إلى هدوء وخلوة بالنفس .. أشعره أنك قريب منه ، وأن بإمكانه أن يعتمد عليك فيما يطلب أو يحتاج ولكن بصمت ..
كنت أذهب إلى مستشفى الحرس التي تبعد مسافة 45 دقيقة عن بيت أمي في جدة وأرفض رفضاً تاماً أن يُفتح المسجل أو الإذاعة إلا أن يكون قرآناً . كنت أملأ وقتي بتسبيح واستغفار أعلم أنه سيربط على قلبي .. أو قد أتظاهر بالنوم ، وأصدر غطيطاً مزيفاً لئلا يكلمني أحد .. كنت أريد هدوءاً وتركيزاً وتأملاً في وضعي الجديد .. لعلي كنت أحاول أن أضبط نفسيتي لتتماشى مع ما يحصل .. لعلي كنت أريد أن أرثي لحالي بعض الشيء دون أن يعظني أحد لا يشعر بمصابي .. وبفضل الله كل مرافقيّ أدوا عملاً جيداً .. كانوا يأتون لي بالقهوة والفطائر دون أن أطلب ، يصغون جيداً لما يقوله الطبيب ، لا يتكلمون أثناء العودة إلا إذا تكلمت أنا وأبديت مخاوف أو قلقاً ، يذكّرونني في المساء بما قاله الطبيب ، ويتحملون “معابطتي” بصبر إذا كذبتهم فيما أخبروني به إذ أني “لم أسمعه”!!
بعض المرافقين يكثرون الكلام ، ويحسبون أنهم بذلك يشغلون ذهن المرض عن حاله .. والحقيقة أنهم يشوشون عليه تفكيره ، وقد يستحي هو أن يطلب من مرافقه الصمت.
فيما عدا ذلك فكن على سجيتك مع المرض وتكلم ما لم يكن متعباً أو تعرف من شخصيته أنه يفضل الهدوء .. أقول ذلك لأن بعض الناس يحبون – أصلاً- أن يحيطوا أنفسهم بالناس وقت مرضهم ، في حين يفضل البعض الآخر الهدوء والعزلة .. وفي نهاية المطاف ، عليك أن تقدم للمريض ما يحتاجه ويناسبه هو ، لا ما يناسبك أنت .
لكن انتبه .. حتى لو كان المريض يرغب بالكلام إلا أن هناك “لاءات” يجب عليك أن تجتنبها .
– تجنب : “لا تقلق” و “لاتخف” .. أنت تعلم جيداً أنه خائف وقلق : من الكيمو ، من الغثيان ، من فقدان الشعر ، من الموت .. إذا طلبت منه ألا يخاف فأنت تطلب منه مستحيلاً يعجز عنه فتزيد من أحماله . لا تعلم أنه خائف أو قلق ؟ معك حق .. ” الي يده في الموية مش زي الي يده في النار” . لذا لا تغضب لو أقصاك أو امتنع عن استعانته بمساعدتك .. إذا أفضى لك بقلقه أو خوفه فاستمع فقط ، ولا يلزم أن تعطيه رداً أو رأياً أو حلاً .. هو يحتاج إلى الكلام فقط ، وعليك أنت الاستماع .
– تجنب : “لا تبالغ” فهذه مدمرة .. بعد عدة جلسات من الكيماوي لاحظت أني صرت كثيرة النسيان وقليلة التركيز .. كنت إذا لم أعبر عن الفكرة التي تدور بخلدي في وقتها مباشرة فإنها سرعان ما تطير ولو أخرتها لبضع ثوان .. كان هذا الأمر يصير حنقي جداً ، إلا أن ما كان يثير غضبي الشديد حين كنت أشتكي لأحد أولادي فيقول لي بطريقة لا مبالية : لا تبالغي يا أمي .. ليس الأمر كما تقولين . ويشرع في ذكر تفسير يراه علمياً يبرر هذا النسيان : إما بسبب السن ، أو بسبب تراكم الضغوط أو لأي شيء .. كنت أشعر بالعجز والقهر.. كبرت فجأة مثلاً ؟ تراكم الضغوط يجعلني أبدو وكأني مصابة بالزهايمر ؟ كنت أعلم أنه يفعل ذلك ليزيل من ذهني أي إيحاء سلبي بأن هذا بسبب المرض ، ولكني كنت أغضب جداً منه لأن كلامه كان يشعرني أني “أتدلع” وأنا أبعد الناس عن حب ذلك .. إلى أن اطلعت في إحدى المواقع الأمريكية عن ما يسمى بـ chemo brain والذي يحكي عن حالة التشوش الذهني الذي يصيب من يتناول الكيماوي .. وكم كانت فرحتي بالغة وأنا أقرأ ذلك ، وفي المرة التالية التي اشتكيت فيها من النسيان ، وشرع في ديباجته المعتادة ، قاطعته بلهجة المنتصر وأبلغته بالمعلومة الجديدة .. لابد أن أعترف أنه لم يعد بعد ذلك إلى تفسيراته الخنفشارية .. ببساطة لأني لم أعد إلى شكواي بعد أن عرفت السبب .. فقد بطل العجب !
كذلك هناك لاءات مهمة أريد ان أذكرك أنت بها :
– لا تنصحه .. لا تقدم لمريض السرطان نصائح هو لم يطلبها . حين انتشر خبر مرضي صار كل من يكلمني يعظني ويأمرني بالصبر ، ومع أني لم أكن أشتكي بفضل الله إلا أني كنت آخذ أمرهم لي بالصبر باستخفاف ولسان حالي يقول : ” عارفة .. إيش حأسوي غير كدة يعني ؟” ، ولكني عندما هاتفت الدكتورة سامية العمودي والتي أصيبت بسرطان الثدي وعافاها الله ، وحدثتني عن الصبر فقد وقع كلامها على قلبي كوقع القطر على الأرض الجدباء .. نعم . هذه امرأة جربت الألم والهم والمعاناة وصبرت .. هذه التي تستحق أن أستمع لنصحها .
– لا تكذب عليه .. إذا اشتكى من خوفه من الكيمو أو من الألم أو من الموت وكانت حالته متردية بالفعل فلا تعطه وعوداً أو أوهاماً كاذبة هو يعلم يقيناً أنها ليست كذلك . هو لا يعبر لك عن مخاوفه لأنه يريد أن يستدر عطفك أو يطلب اهتماماً منك ، وإنما هو يعبر عن نفسه ، فلا تكذب عليه وتقول : لن تموت ، لن تتألم ، ستكون طيباً ..سيعلم أنك تكذب عليه . الأفضل أن تستمع له بصمت وتدعه يتكلم ويعبر عن نفسه .. لا يلزم أن تعطيه حلاً .. اسمع منه فقط .. وإذا أبيت إلا أن تعبر ، فإذا اشتكى من خوفه من الألم مثلاً ، فلا تقل : لا تخف ، وإنما قل : الله يعينك ، هو مخيف فعلاً ، أو طهور إن شاء الله ، أو أجر وعافية .
– لا تخبره بما قد يؤلم قلبه من الأخبار .. حينما كنت لا أزال في مرحلة الفحوصات وقبل تلقي أي علاج حدثت حادثة سيول جدة ، وبعدها بعدة أسابيع أصاب جدة أمطاراً غزيرة أخرى وثارت مخاوف من حدوث سيول جديدة .. أذكر جيداً كيف آلمني قلبي في تلك الفترة وكيف أني اكتئبت وبكيت وأحسست بدنو الأجل . ليلتها هاتفني ابني خالد وأحسست أنه ود أن يطير إليّ من المدينة ليهزني من كتفي يأمرني ألا أستمع للأخبار .. مريض السرطان يكون حساساً جداً ، فيحسن بك أن تكلمه بأحاديث خفيفة ومرحة . ويقع بعض الناس في خطأ عظيم حين يخبرون مريض السرطان أن لهم عماً أو خالة توفي بمرض السرطان ، أو أن ابن عم صديق أبيك أخذ الكيماوي وعانى الأمرّين منه أو أن جارة جدتك قاست كثيراً من السرطان . أفهم أنك تقصد خيراً ، وأنك قد تقصد إخباره بأن حاله أفضل من حال أولئك ، ولكنك في الحقيقة تفعل أسوأ ما يمكنك فعله . مريض السرطان يعلم بخطر مصابه إلا أنه يتجاهل ويتغافل عن حقيقة إمكانية أن يموت بسبب السرطان ، ويظل يدفع هذا الاحتمال لأنه إذا ظل يفكر فيه فإنه لن يتمكن من العيش بهناءة .فإذا سمع قصة شخص توفي بأي سرطان فإن هذا يقوض خط الدفاع الذي أقامه حول نفسه بالتجاهل ويعيده مرة أخرى للدقيقة التي تم تشخيص المرض فيها ، ويضع نفسه مكان هذا المتوفى وتسوء نفسيته . هل أفشي سراً لو أخبرتك أني الآن ، وبعد مضيّ سنتين من انتهاء علاجاتي إلا أني لا يزال كياني يتزلزل إذا ما سمعت بخبر وفاة مريض بالسرطان ، أو انتشار المرض في جسده .
تذكير أخير : انتبه على كلامك ، فبه قد تعين المريض وبه قد تخذله .
0.000000
0.000000
أرسلت فى من هنا وهناك | مصنف سرطان الثدي | تعليق واحد
أنا أصبت بسرطان الثدي……لي سنتين الان…..كانت تجربه رائعه وغنيه بالتفاصيل وانا اقرأ ماهو
مكتوب أعلاه رجعت قليلا للوراء وتبسمت وقلت أحمد ك ي الله حمدا كثيرا كما ينبغي لجلال وجهك ..
ثلاث اكتشفتها و تعلمتها من تلك التجربه
حسن الظن بالله والثقه فيه اليقين ان هو الشافي وان السرطان عرض وليس مرض
البحث عن مواطن القوة داخلي واستخرجها وتسهيل الامور والبساطة في التعبير
سقوط الأقنعة واكتشاف معادن من حولي من أحباب وأصدقاء فجزاء الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي ..
فعلا تجربه كانت رائعه