حينما كنت مثقفة !
12 أبريل 2013 بواسطة هناء
في ظهر الثلاثاء 28/5/1434 هـ وصلت الدمام عاصمة الساحل الشرقي تلبية لدعوة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني. توقعت أن أجد في استقبالي كما كنت أرى في الأفلام سابقاً : شخصاً يمسك بلوحة مكتوب عليها اسمي ، و الحمد لله أني لم أتفرس في وجه القوم وأنشغل عن رؤية اللوحة الكبيرة التي كتب عليها : اللقاء السادس للخطاب الثقافي السعودي . كان استقبالهم لنا حسناً ، أشعرني بالأهمية والفخامة ، ثم عُهد إلينا بأحد الموظفين ليوصلنا إلى الفندق . كان سعودياً ” مشخصاً لشماغه ” يرتدي نظارة شمسية ، وتبدو عليه سيما الخطورة والجدية . أحسست أنه سيتقدم إلي ماداً يده ويعرف بنفسه في صرامة : “بوند ، جيمس بوند ” ، لكنه قادنا إلى السيارة بصمت ، وفي الطريق لم يتمالك ابني عبد الله نفسه – وأنا التي كنت أنتظر ردة فعله بشغف – فهتف ضاحكاً كاتماً الانبهار بكل هذه الطقوس : إيش هذا يا أمي ؟ يفشّل !!
وصلت فندق الشيراتون حيث استقبلتني الدمام بهزة أرضية خفيفة . حسناً لم أكن أعلم أنها هزة أرضية فقد كنت محبوسة في الحمام آنذاك أنتظر خروج العامل الذي استدعيناه ليصلح المكيف .. فشعرت بأن الحمام وكأنه حجرة خشبية تهتز ولها صرير .. تعجبت .. ماهذا الحمام الخشبي ؟ ماذا يصنع العامل بالحجرة ؟ أيحتاج لكل هذا الهز ليفك مسمار جهاز التحكم بالمكيف ؟ ولبثت برهة أفكر في الآلية التي اهتز بها الحمام دون باقي المبنى . ثم فكرت : لعلني أُصبت بدوخة من تعب السفر فتماسكت وركزت على نقطة ما في المرآة لأختبر ثباتي ، فوجدتُني ثابتة .. عند خروجي بعد انصراف العامل أخبرني عبد الله عن الهزة ووجدت منشناً في تويتر يخبرني أن أرض الشرقية اهتزت فرحاً بمقدمي ..
يالها من بداية مطمئنة .
حسناً يكفي مزاحاً وهذراً ولأدخل في المفيد .
دخلنا القاعة المخصصة للنساء عبر دهاليز طويلة مررنا فيها بالمطابخ وقاعة الطعام ، وبعد الكلمات الافتتاحية ابتدأت الجلسة الأولى ولما تكتمل أعداد المشاركين بعد . كانت الجلسات عبارة عن مداخلات ، مدة كل مداخلة 3 دقائق بحد أقصى . يطلب المشارك الإذن بالمداخلة فيدخل اسمه آلياً إلى قائمة الانتظار ، حتى إذا جاء دوره فُتح اللاقط تلقائياً وبدأ في الحديث .

لاحظت أن محاور اللقاء متداخلة ، وفي الحقيقة فإني قضيت وقتاً طويلاً قبل اللقاء أحاول فيه تمييز المحاور عن بعضها لئلا أنسب نقاطاً إلى غير محاورها ، ولوهلة شككت في ذهني العاجز عن استيعاب الفروق والمقاصد ، حتى سمعت أحد المداخلين يذكر هذا التداخل فاطمأن قلبي ..
كانت أبرز نقاط المداخلات ما يلي :
– أهمية شبكات التواصل الاجتماعي في التعبير عن الآراء بحرية غير مكفولة في غيرها ، وانتشارها بين الشباب ، وطغيانها على الإعلام التقليدي .
– ذكر التأثيرات السلبية و الإيجابية لشبكات التواصل وحاجة المجتمع للإفادة منها .
– التركيز على قضايا الفساد وأهمية تجاوب المسؤولين مع تلك القضايا بدلاً من التفكير في إيقاف تويتر مثلا .
– البعض طالب بسن قوانين تحكم الأخلاقيات في شبكات التواصل والبعض رأى عدم جدوى ذلك وأن الأمر كله يعود إلى إحساس الفرد نفسه بالمسؤولية .
– ضرورة الاهتمام بالهاشتاقات التي شارك فيها آلاف المغردين لاستطلاعات الرأي .
والذي ظهر جلياً أن هذه النقاط كان يُعاد إثارتها والتنبيه عليها من قبل أكثر المشاركين ، مما يدل على أنها أضحت هماً مشتركاً بين المتحاورين ..
ملاحظات شخصية :
– نسبة الصراحة والكلام بلا قيود كانت مرتفعة بشكل ملحوظ .. كان بعض المشاركين ينهي مداخلته فأقول في نفسي بإعجاب ( دا كلام كِبير قوي ) ، ثم أرى في مؤخرة ذهني شمساً ( الشمس الحقيقية وليست ابنتي شمس ) تضحك باستهزاء ، ولا أعرف ماذا يعني ذلك !
– لعل من المفيد التنبيه على أن لفظ ( الحوار والمتحاورين ) لفظة غير دقيقة هنا ، فالذي كان يحدث هو إدلاء بالآراء فقط . أحد المشاركين خالفني أثناء مداخلته في رأي لي وذكر اسمي صريحاً ، ولما أرادت الأستاذة مشاعل العيسى الرد على رأي أحد المشاركين واستأذنت مُنعت من الرد وطُلب منها الاكتفاء بالمداخلة فقط ، وعلل رئيس الجلسة ذلك بأن الهدف من الحوار لا ينبغي أن يكون شخصياً.. أثارني هذا الأمر وأحنقني جداً لسببين : الأول أن فيه هدم لثقافة الاستئذان واحترام القوانين ، ولعلها كان ينبغي عليها أن ترد عليه مباشرة كما فعل الأول بلا استئذان ، مع أن رده عليّ لم يسؤني لأنه كان بأدب واحترام ، وسنة الله في البشر الاختلاف ، ولو شاء لجعلهم أمة واحدة . والسبب الثاني : أن من سمات الحوار هو الرد والنقد وتبادل وجهات النظر في النقطة ذاتها وإلا فما الفائدة من ذكرهم لآداب الحوار في افتتاحية الجلسة الأولى إذا لم يتحقق الحوار بالفعل ؟ لعل الأجدر بهم أن يسموه : مداخلات المغردين الثقافية بدلاً من حوار المغردين الثقافي .
– لاحظت أن غالبية المشاركين كانوا يتكلمون بلا ورقة ، في حين أن غالبية المشاركات – وأنا منهن – كن يقرأن قراءة . ومن كانت تتكلم ارتجالاً فهي غالباً ما تكون أكاديمية . كذلك لفت نظري أن المداخلات النسائية أكثر من المداخلات الرجالية .. هذا عزز عندي النظرية الشائعة عن المرأة وقدرتها الكلامية الفذة .
– في المداخلة الثانية للأستاذ عبد الله المديفر سأل رئيس الجلسة بطريقته الـ ( تراني كافِشْكُمية ) : هل صحيح أنكم منعتم القناة الثقافية من البث المباشر للقاء الثقافي قبل الجلسة بخمس دقائق ؟ وفي حين تعالت ضحكات الاستحسان في قاعة النساء على الأقل ، رانت لحظة صمت استمرت لنصف دقيقة وكأنها نصف يوم قبل أن يُطلب من المديفر إلقاء مداخلته والتي قوبلت بتصفيق في القاعتين .
– فيما بعد برر أ. فيصل المعمر أمين مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ذلك لترك المجال للتغطية الصحفية ، حيث أن التغطية التلفازية سحبت البساط من التغطية الصحفية ، وقال أنها فرصة لاختبار قدرة شبكات التواصل في نقل المعلومات وتفوقها على الإعلام التقليدي .. ثم أنهى كلامه بما معناه : يعني لا تحسبوا أننا نخبئ شيئاً ، بالعكس هناك شفافية وصدق ووو .. صراحة كرهت الشفافية بعد هذا اللقاء لكثرة ما ذُكرت .. ولو أن ابنتي طلبت مني ورقاً شفافاً لمدرستها فستجني على نفسها حتماً .
– برأيي أن الحوار الوطني لن يكون حواراً بمعنى الكلمة إذا قام به سبعون شخصاً دفعة واحدة ، بل يجب القيام بورش عمل من أجل حوار حقيقي مع التأكيد على أهمية تفعيل التوصيات .
– توقعت أن يكون لرئيس الجلسة دوراً أكبر من مجرد تقديم المداخلين وإيقافهم عند انتهاء الوقت .. توقعت أن يعلق مثلاً .. وكم كان مؤسفاً أن يتم إيقاف بعض المداخلات القيمة لانتهاء الوقت ، ومع أن هذا – تنظيمياً- أمر جيد ، ولكن بعض المداخلات لا تود من صاحبها أن يتوقف ، وبعضها قلت بعد انتهائها : ليته سكت .
– أكد أ. فيصل بن معمر أن المركز ليس جهة تنفيذية أو تشريعية ، وإنما مجرد جهة تقدم الرأي للمسؤول وتوصل إليه أصوات المتحاورين . وأهاب بالمشاركين التعريف عن مركز الحوار الوطني في حساباتهم في شبكات التواصل ، ولو اتاح لي الفرصة في المداخلة الرابعة لرددت عليه وقلت : أني شخصياً لا أعرف الحوار الوطني فضلاً عن أعرّف به .. كل ما أعرفه عنهم أنهم قوم يجتمعون في قاعات فخمة شديدة التنظيم ويتكلمون بكلام فخم ومثقف ، ثم ينصرفون إلى بيوتهم .. أردت أن أخبره أن إنجازاتكم تحدّث عن أنفسكم .. ضعوا أيدينا على نتائج هذه اللقاءات وأخبرونا أنها من صنع أيديكم وسننطلق لنخبر العالم أجمع ، فنحن كالأطفال ، ينبهرون دائماً بإنجازات آبائهم البسيطة ويحبون أن يتحدثوا عنها ، فقط أخبرونا أين هي .
– المغرد خالد الهاجري @alhajiri_k رئيس وحدة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة الشرقية ظل أياماً قبل اللقاء يعترض في تويتر على تهميش فئة ذوي الاحتياجات الخاصة ويؤكد على عدم دعوته في المؤتمر ، فلم يفجأنا إلا وقد حضر بلا دعوة وداخل بعتب على المؤتمر.. هو أوصل صوته ولا يضيع حق وراؤه مطالبون .
– وفر المركز معرضاً صغيراً للكتاب يأخذ منه المشاركون ما شاؤوا ، ولاحظت أن بعض المشاركات حملت معها كمية كبيرة جدا من هذه الكتب ولسان حالها يقول : “كثِّر من البلاش ” .

– إحدى المغردات ظلت تتهكم وتتندر على هذا اللقاء بشكل ممل ، بل وأطلقت إشاعة أن المتحاورين سيأخذون مكافأة 10 آلاف ريال .. حسنأ ، أقول لكم : لم نأخذ من المركز ولا غيره إلا تذاكر درجة أولى ، وضيافة في فندق الشيراتون حيث كان اللقاء ، وذلك لمن كان خارج الدمام .. أعتقد أن مشاركي المنطقة الشرقية – وهم كثيرون -لم يأخذوا شيئاً .
– بعض المداخلات التي لفتت نظري :
– فهد السنيدي : لا للقمع الفكري للحراك الثقافي في الشبكات وإلا ستحدث ردة فعل سيئة .
– محمد الغنيم : هناك 6000 حساب سعودي وهمي في تويتر ، قد يكون وراءها خطر كبير .
– إبراهيم اليامي : المشاهدات السعودية لليوتيوب نبلغ 120 مليون مشاهدة ، تحتمل الفخر وتحتمل الحذر وهو خطير جدا لأنه يخاطب جميع الحواس .
-هالة القحطاني : كان في المجتمع فترة صمت طويلة ثم جاءت هجمة التقنية ، وشبكات التواصل في الأجهزة الذكية ففتحت مجالات كبيرة للتعبير عن الرأي .
– محمد الشيخ : يجب تفعيل نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية وإلا ستنحو الأمور منحنى خطير .
– صالح السلطان : إنشاء هيئة للفساد هو دليل واعتراف بوجود الفساد بالفعل .
– فهد السعوي : شبكات التواصل صعدت الحراك على السطح بعدما كان في الأقبية ، لكن الحراك هو الحراك .
– محمد الغنيم : تويتر لم يغير شيئاً في بلدنا ، ولم يسقط وزيراً ولم يوظف عاطلاً ، وإنما هو فضفضة فقط .
– مشاعل العيسى : نريد في تويتر ربيعاً عقدياً .
– أماني العوامي : إنهم يخافون من الكلمات ، فمابالهم لا يخافون من الصمت الطويل ؟
– هالة القحطاني : يقولون أن أبواب الحوار مفتوحة ، ولكن في الحقيقة الآذان مغلقة .
أما عن مداخلاتي الثلاث فإليك بعضاً من نقاطها :
– أظهرت شبكات التواصل ميول الشعب السعودي بشكل عام وتدينه ، وفي المقابل هناك فئة لا تفتأ تهاجم الرموز الدينية والأحكام الشرعية التي تخالف أهواءهم ويكون ذلك علامة التثقف والتنور .
– كبار السن تمكنوا من التجاوب مع شبكات التواصل بطريقة مذهلة وعلينا تشجيعهم على إبداء آرائهم والإفادة منها .
– من اللهجات السلبية في لغة خطاب شبكات التواصل : التخوين والعنصرية والبذاءة والشخصنة والتعميم بل والقذف و التكفير .
– من السلبيات شيوع تكلم الناس في ما لا يتقنونه من أمور الدين وهذا يؤدي إلى تخوين العلماء والتساهل في أمور الدين، وإن عز أي مجتمع منوط يإقامته لهذا الدين وإلا فبإقامة العدل ، فأيهما ترك سقط ولو بعد حين.
– ضرورة وقوف الشعب في صف واحد ضد المغرضين الذين يريدون إيغار الصدور عن طريق الهاشتاقات المبالغة أو المكذوبة ، وعدم الخوض فيها وإن غلب على الظن صحتها ، ومعاملتها معاملة النمام في الإعراض عن قوله وتكذيبه دحراً له .
– أهمية وجود القدوات الجيدة والقريبة ليمكن للعامة الاقتداء بها وتلقي التوجيه منهم .
– طالبتُ الشرعيين التقليديين تغيير بعضاً من قناعاتهم ومخالطة الناس في هذا المجتمع الافتراضي والصبر على أذاهم وألا تكون مشاركاتهم مقتصرة على الطريقة التقليدية في التذكير والوعظ وإنما التحاور والنقاش مع الاكتفاء أحياناً بالتلميح والإشارة .
مر اليومان بسرعة ، كعادة الأيام السعيدة .. سعدت بلقاء نخبة من المثقفات والأكاديميات والتحاور معهن . سعدت بوجودي في هذا الجو “المثقف” ، التقطت عدة صور لانستجرامي ، ووجدت مادة لتدوينة جديدة لمدونتي .
لا أعرف إن كان ما قلته وقاله غيري من المشاركين سينفع أحداً بالفعل ، إذ أننا لم نأت بأي جديد ، فكل ما قلناه واضح للعيان ، ولكن الكرة الآن – ودائماً- في ملعب الدولة .. علِمَت ماذا يريد الشعب ، فما عساهم فاعلين ؟
0.000000
0.000000
أرسلت فى لقاءات ومؤتمرات | اكتب تعليقُا
اترك تعليقًا