ذكريات بعبق الحب (خاصة لجيل الطيبين)
9 مارس 2014 بواسطة هناء
وصلني برودكاست مضحك عبر الواتس أب يتكلم فيه عن بعض قفشات الماضي ، ومقارنات بين قطط الماضي وقطط اليوم ، وعرائس الماضي وعرائس اليوم ( جمع عروس وهي الفتاة حديثة الزواج لا الدمية ) ، وبنات الماضي وبنات اليوم .. كل ذلك مضحك ولكنه مكرر وقرأنا أمثاله الكثير، إلى أن نحا البرودكاست منحى أكثر جدية بنفس القالب المضحك ، حين تعرض لذكريات سببت لي – لسبب أجهله- شيئاً من الغصة والضيق ..
اقرؤوا معي ، وليخبرني قرائي – من زمن الطيبين أمثالي – هل شعروا بنفس غصتي ، أم أنني فقط من تتوهم ؟
” أيام زمان : تلفزيون والعشاء نواشف ، والمروحة على 5 ، وجالس تحل واجب الخط ، كانت حياة جميلة .
كل ما تعدي طيارة نقعد نصرخ ونعمل لهم باي باي .
كنا نستنى سنة رابعة ابتدائي عشان نكتب بالقلم الحبر.
نستنى الامتحانات عشان ما ناخذ شنطة، ونستنى وقت الشهادة عشان نلبس حلو ونتشيك .
لما أحد من أهلك يطلب منك كاسة موية لازم تشرب شوية وقبل ما تدخل تمسح فمك عشان ماحد يعرف أنك شربت .. أكيد أنت تبتسم الآن على الأيام الجميلة .. حاول ترسلها لأصحابك ، حتلاقي نفسك بترسم بسمة على وجوه ناس كثير .. مجرد ابتسامة وقلب نظيف ، ونفس سموحة : هكذا تعيش جمال الحياة ” .
بالفعل ، ابتسمت وأرسلتها لصديقاتي ، ولكني شعرت بالضيق فجأة .. شعرت بشوق لسماع صوت المروحة الرتيب ، لهواء الحجرة الدافئ يداعب وجهي ( عبال ما يرتاح المكيف شوية يابنتي ) ، للفرحة المعلنة التي يطلقها إعلان أمي أننا سنتعشى اليوم بروست بدلاً من البيض والجبن المعتادين ، لجلساتي المسائية مع ابنة خالتي على أرضية البلكونة ، نأكل الفصفص ونشرب البيبسي المثلج ونتفرج على السيارات المارة ، وكأن أنوار السيارات عقود الضوء معلقة على عمارة عتيقة تعلن عن مِلكة أو عرس في السطح .. هل حضرت قط عرساً في سطح ؟
اشتقت لزياراتنا لجيراننا : ألعابهم غير ، وطعامهم غير ، ورائحة بيتهم غير .. كل شيء غير ، طالما أنه مختلف عما كان عندي في البيت .. ولزيارات بيت خالي الدورية في عطلة نهاية الأسبوع : عندنا أسبوع ، وعندهم أسبوع : نفرش “الطراريح” ، ونعد أفلام السهرة ليتفرج عليها الكبار ، في حين نغرق نحن الصغار في ألعاب ممتعة : مسرح عرائس ، شركات ومدراء ، برامج تلفزيونية ، وكل ذلك تكون فيه طاولة الكوي العنصر الأساسي المهم في الديكورات ، فهي تارة خشبة المسرح ، وتارة مكتب المدير ، وثالثة طاولة مقدم البرامج .
اشتقت لذلك الفرح الأصيل بلقاء عائلة خالتي كلما قضينا العيد عندهم في الخبر – مسقط رأسي- حيث تجتمع العوائل وتوصل حبال المودة ، نصنع الزينة بأيدينا من ورق الكريشة ، ونفتح الهدايا يوم العيد ، بتؤدة ورصانة في البداية ثم لا نملك أنفسنا من تمزيق كل شيء كالمجانين وسط ضحكات الكبار واستحسانهم ..
بعض الروائح والمذاقات لا تزال في حلقي .. هل سمعتم برائحة تجد أثرها في الحلق ؟ الحقيقة – رغم غرابتها – أني
أجد هذه الروائح العتيقة في حلقي . سرني أن أجد أن هذا البرودكاست قد أحدث نفس الأثر في نفوس صديقاتي .. فعلمت أني لست وحدي (غاوية النكد ) ..
شاركتني صديقتي الفاتنة سارة ( هل تذكرونها ) بعضاً من ماضيها الجميل ، ووهبتني شيئاً من شذاها العبِق ، ووجدت نقاط مشتركة كثيرة ، رغم أن ماضيها في المدينة ، وماضيّ في جدة ، ولكن الزمن واحد والطفولة واحدة ، وإن اختلفت البلدان .
تساءلتُ : لماذا نجد الماضي سعيداً ، رغم أن الحاضر أيسر وأسهل ؟ فأجابتني سارة بإجابة رغم بساطتها وبدهيتها ، إلا أنها غابت عني حيناً من الدهر : الحياة البسيطة تثير المشاعر وتقويها ، وتحسسك أيام الطفولة بالدفء الاجتماعي. ثم سردت لي بعضاً من طفولتها : تنزلي عند الجيران = تسكني عند الجيران ! تنامي عند قرايبك على مراتب يفرشونها في الصالون ، تلتم الأسرة في الشتاء على المنقل “وبكرج” الحليب ( هل ثمة من يذكر هذه الكلمة ؟) وفناجيل باعشن. الصدور كانت واسعة ولا تشعرين بالحرج لو نقصك شيء واستعرت من الناس ، والعائلة وضيوفها كلها- وأنتم بكرامة – في دورة مياة واحدة ، ولا يصيبهم الضيق لذلك ، إذ الضيق في الصدور .
ذكرت لي الذهاب للبساتين صباحاً مع العائلة ( البساتين التي كادت أن تندثر مع توسع المدينة العمراني ، والله العليم ماذا سيحل بها بعد نزع الملكيات ) والاجتماع على الفطور : جبنة ، زيتون ، شريك ، شاهي منعنش ، وأحياناً حلاوة طحينية وفول وبيض حسب التيسير . نسيم البستان المحمل برائحة الزرع ، وصوت ” ماطور” الماء لازال في أذني حتى الآن ، كما هو صوت المروحة ، وكأنه يقول : استمتعوا بلحظات عذبة قد لا تعود إليكم متعها أبداً.
أتذكر تسليتنا بالدمى على مختلف الأنواع ، وإلا فلعب بالطين في الحوش وبعلب الجبن والصلصة نصنع قوالب “الكيك” ، ونلعب الزقيطة أو أم الخمسة ونط الحبل واللب ( التيلة أو البلي ، تعددت التسميات ) ، وحينما نغافل أهالينا أحياناً لننفلت في الشارع، نشتري البليلة و “تماتيك” ، وأحياناً أيسكريم التركي أو شراب الخربز المثلج (سلاش) أو المنتو من اليمني أو المنفوش فذلك النصر المظفر .
كثير من ذكريات سارة تشابه ذكرياتي : أنا أيضاً كانت أحلى أوقاتي حين أذهب للدكان مع أخواني وأتطلع إلى الحلويات وكأنها مجوهرات بولغاري أو ساعات رولكس ، وأشتري بنصف ريال ما أعجز عن حمله ، ثم نعرج على مخبز “الهولي” لنشتري منه خبزاً لابد أن يهش له الوجه النكد ! وأتوقع أن أهل نجد يجدون في رائحة الشجر المحترق وثغاء الماشية وخوار الأبقار سيمفونية عذبة مع “ماطور” الماء نفسه الذي يمد قنوات المزرعة بالحياة .
كانت الحياة بسيطة غير معقدة .. متعبة أحياناً .. يفوتك بعض من طيباتها أحياناً لقلة ذات اليد ، أو لصرامة الأهل، ولكن كانت الألفة والاجتماع والمشاعر الطيبة هي السائدة ( غالباً) . أخبروني .. هل لا زال أحد من الأطفال في هذا الزمن يرضى أن يحمل كوباً ويذهب به إلى الجيران ويقول لهم : أمي تسلم عليكم وتقول لكم أعطوني سكراً ؟ هل لازال أحد يرسل لقيمات وسمبوسك وبريك في رمضان طعمة للجار غير الحميم ؟ هل يستطيع أطفالنا أن يقضوا سحابة أيامهم بلا أيبادات أو أجهزة (غبية) سلبت منهم بهجة المشاعر البشرية مع أشخاص حقيقيين ، وليسوا افتراضيين يوالونهم على حساب والديهم وإخوانهم ؟ هل لا زال مسمى “العائلة” و “الجيران” بمعناها الحقيقي موجوداً ؟
أرثي لحال أطفالي وأحفادي ، حين يكبرون ويحتاجون لتحديث ذاكرتهم أحياناً ، ماذا سيسترجعون ؟ إما شاشة أيباد أو شاشة أيبود أو شاشة كمبيوتر .. فأين الحب والذكريات السعيدة والعلاقات الاجتماعية البشرية ؟ أين اللعب مع الأقران ومحبة الوالدين والإخوان ؟ بل وفي كثير من الأحيان يمتد هذا السخط لينال من الدين والأعراف النبيلة ومكارم الأخلاق بعدما انتهت السخرية من الأمور العادية ..
يضحكونني حين يسمعوننا نسترجع القديم فيقولون بنرة سخط واضحة : أيامكم كانت “بيض” !!
وددت لو أني عرفت ما المسلي في أيامكم أي بَنيّ وأنتم لا تفتؤون تشتكون : طفش ، ملل .. حتى إذا ما هممت بإلقاء محاضرة تربوية قيمة، لم ألبث أن أُذكر نفسي أن هذه حياتهم ، وأن كلامي لن يزيدهم إلا سخطاً ونفوراً .. فأخرس على مضض وأحاول أن أُغرق نفسي في بعض الذكريات ترطب شيئاً من جفاف الحياة وتهبني قبساً من دفء الماضي ..
أرسلت فى متع مبهجات | مصنف الحب, الصداقة, ذكريات | 6 تعليقات
كلام رائع … حتى بزماننا القريب كنا عايشين كذا …
ياااااه من جد مساكين بزورة دحين لمن يكبرو ويصير ييغو يتزكرو ايامهم الجميلة حيلاقوها عبارة عن احهزة وعلاقاتهم كلها مع أصدقاء افتراضيين على بالهم ان قلوبهم حتنشكح زي ما انشكحت قلوبنا لا والله مافي زي زمننا الجميل كان فيه التفاعل الحقيقي مع الاصدقاء الحقيقيين الله يعينهم الله يعينهم
أكثر ما يحزنني هذه الأيام هو النقطة التي أشرتِ لها أستاذتنا
استسهال السخرية وإطلاق الألفاظ الجارحة ومهاجمة الناس والتجني عليهم خاصةً في فضاء الإنترنت
أحس أن بعض المواقع ساحة حرب أو ميدان مبارزة بالكلمات الغير لائقة
أما بخصوص “الذكريات الدافئة” فكل جيل سيكون عنده منها رصيد – حتى جيل “الأجهزة الذكية” عندما يتقدمون في العمر ويحين وقت استرجاع الذكريات فحتماً سيجدون ما يرسم الابتسامة على وجوههم
وربما وقتها سيطلقون على أنفسهم نفس التسمية “جيل الطيبين” كلما قارنوا أنفسهم بالأجيال التي بعدهم
أسعدك الله أستاذة هناء ورزقك وإيانا جميعاً الرضا وراحة البال
نبكى اليوم على الماضى وغدا سنبكى على الحاضر هذا هو الواقع
تحياتى اخى لفكرك
زمن الطيبين
جيل عاش الحياه ببساطتها كانت أبسط الأشياء تثير فينا السعاده وتنثر بينناالفرح والسرور
واليوم يمتلك أبنائنا كل وسائل الترفيه ومافتيئوا يشتكون من الطفش والملل.
قاتل الله المدنيه والتكنولوجيا التي لم تدع لهم مجالاً ليعيشوا قليلاً من طفولة الطيبين.
بإختصار كل الحكي والمشاعر ياليت يرجع جيلي جيل الطيبين بحلوهه ومرهه وناسه وكامل تفاصيله وربي أتمنى يرجع أوجع قلبي الحنين والذكرى وربي لجيلي الذكريات بحلوها ومرها أجمل مافي العمر توجع قلبك بس تبتسم بألم وتتمنى ترجع ويرجع كل شي وبإختصار كل الحكي والمشاعر م أجملك وربي وشكرا من قلبي ي جميله ع كل مشاعرك الحلوه وقلبك الطيب الجميل فديتك