لماذا لا يكون الناس أذكياء ؟
25 سبتمبر 2014 بواسطة هناء
منذ أن افتتحت متجري الالكتروني في انستغرام وبدأت في التعامل مع أسواق (الآخر) ، انفتحت عليّ سيول المقارنات .. لا أميل إلى عقد المقارنات بالعادة ، لأن كفة (الآخر) ترجح دائماً ، وأعزو ذلك إلى سبقهم لنا في تطورهم الحضاري بعقود طويلة ، وللقوانين الصارمة التي تحكمهم ، بخلاف الفساد الذي يستشري في بلادنا ، فلا يزع قومنا لا القرآن ولا السلطان . ولكن الأحداث تتالت بشكل استوقفني ..
لا أذكر متى بدأت الحالة بالتفاقم في ذهني .. ولكن لي بعض الذكريات شبه الضبابية عن مطعم يفترض به أن يكون فاخراً ، يهمل في طلبات زبائنه ( نعم أسميه إهمالا ولا أقبل حجة ضغط الزبائن )، فيحضر السلطة (المدفوع ثمنها) بعد الانتهاء من الطبق الرئيسي ، فتقع في حيرة : هل تأكلها وقد امتلأ بطنك ، أم تأخذها معك للمنزل لتتعشى بها ؟ تتعشى بالخس الذي ذبل والتتبيلة التي امتصها الخبز !! ثم تدفع ثمنها تأدباً ( أو غباء لا أدري أيهما ) ، وذهنك يستحضر ذكاء بعض المطاعم في كسب زبائنها عن طريق إلغاء هذا الطبق المتأخر من الفاتورة ، بل وأحياناً ، إلغاء الفاتورة بأكملها .
وهناك مطعم فاخر آخر تطلب منه أسياخ الدجاج المشوية فيأتيك في طبق خمسة أسياخ ، أحدها كالمطاط تماما . تطلب من النادل أن يستبدل هذا السيخ بآخر ، فيضطر لمراجعة المدير ( السعودي) الذي لا يزال يسألك ببرود : هل تريد أن آتيك بغيره ؟ وبالفعل يأتيك بسيخ واحد فقط ، يلقيه أمامك متجهما ، ليعتذر النادل بدلاً منه ؟
وتتالى الأحداث التي تدفعك دفعاً إلى المقارنة .. كتلك الموظفة في مبنى الجوازات والتي كانت تتحدث مع المراجعات ( وبعضهن مسنات ) من خلف ظهرها ( حرفيا) لانشغالها بكتابة بعض الأوراق ، مروراً بالخدمة التي يقدمها البعض لشراء بطاقات الآيتيونز عبر الواتس اب فتفاجأ بطلبك الذي يبلغ خمسين دولاراً وقد تم استعماله .. وعند مراجعتهم يكتفي بإرسال بطاقة جديدة دون تعويض لكسب رضاك ، وصولاً إلى بعض المنشآت التعليمية التي تستقبل أبناء منسوباتها بنفس الرسوم الباهظة التي تستقبل بها غيرهم من العملاء ودون أدنى تمييز لكونها موظفة عندهم ..
أفهم أن غالب مقارناتي لا يحكمها قانون ملزم ، وإنما لا يكاد الأمر يتعدى الذكاء التجاري ( في غير مسألة موظفة الجوازات) ، وليس الناس مطالبين بأن يكونوا أذكياء .. ولكن سؤالي هو : لماذا لا يكون الناس أذكياء بالفعل؟
اشتريت مرة شحنة من أحد المواقع التجارية تبلغ 180 دولاراً أمريكيا ( 675 ريالاً تقريباً) .. بعد قرابة أسبوعين من وصولها عندي اكتشفت نقصان قطعة واحدة يبلغ ثمنها 65 ريالا فأرسلت للموقع بذلك ، فاعتذر مني بحرارة وعوضني مباشرة ثمن الطلب كاملاً ..
حسناً ، لا أريد أن أحدث بلبلة في الصفوف .. لقد كان ذلك نتيجة سوء فهم من الموقع ، فأرسلت إليه ثانية أخبره أن الطلب وصلني كاملاً إلا من هذه القطعة وبعد مداولات وعدة إيميلات طلب مني الموقع (السماح له) بسحب المبلغ الذي حوله لي ناقصاً الـ 65 ريالاً .. ولم أسمح له بفعل ذلك إلا بعد أن تأكدت من وجودها أصلاً ..
لسبب أجهله تذكرت موضوع السلطة في ذلك المطعم ..
وبعدها بأيام ومن موقع آخر اكتشفت نقصان قطعة يبلغ ثمنها خمساً وأربعين دولاراً ووجود قطعة أخرى لم أطلبها ، ولكنها تبدو فاخرة .. أرسلت لهم بالتفاصيل وأخبرتهم أني مستعدة بأن أدفع لهم فرق الثمن بين القطعتين مقابل الاحتفاظ بهذه .. المفاجأة أنهم أخبروني بأنه لا حاجة لي بدفع الفرق ، وأنهم سيحولون لي ثمن القطعة الناقصة !! أهدوني قطعة يبلغ ثمنها خمساً وثمانين دولاراً !! ( اضربوا المبلغ في 3,75 لتعرفوا القيمة بالريال السعودي ) ..
لسبب آخر أجهله أحسست بطعم سيخ دجاج مشوي في فمي !!
وأخيراً ، كانت ثالثة الأثافي ، حينما اشتركت في بريد واصل العالمي التايع للبريد السعودي ..
وصلت شحنتي لمكتب البريد بأمريكا يوم 7 ذي القعدة ، ولم يتم إصدار فاتورتي إلا يوم 15 ذي القعدة !! ولأقطع أي سبب للتأخير حولت لهم قيمة الشحن مباشرة .. اليوم 1 من ذي الحجة ولن تصل شحنتي إلا يوم الأحد 4 من ذي الحجة ، واعتذرت لي الموظفة بأن هذا التأخير بسبب اليوم الوطني ..
أعتقد أني لو سافرت بالإبل من المدينة إلى جدة واستلمتها ورجعت لوسعني أن أعود قبل 4 ذي الحجة . ما زاد الطين بلة أنها حذرتني أنني إن تأخرت في استلام الشحنة فستعود بعد أربعة أيام إلى مصدرها ( أمريكا يعني) .. بعد تواصل طال قليلاً في تويتر قررت أن أذهب بنفسي إلى مكتب البريد لاستلامها ، ففوجئت أنها لم تصلهم بعد .. ضحكت غيظاً عندما قلت له : أخبروني في تويتر أنها عندكم ، إذ أنها كانت في جدة يوم 21 ، فقال : يبدو أنها لم تصل !!
لم تصل ؟ شكرا لك يا وطني ، فبسببك توقفت “دواب ” البريد في الطريق لترقص فرحاً بيومك ! لم يكظم غيظي إلا الموظف المحترم الخلوق الذي تعهد أن يحفظ شحنتي لحين رجوعي من السفر ، وأرجو أن يكون صادقاً وعلى قدر المسؤولية .
خسارة ، لقد كنت أؤمل خيراً في البريد السعودي منذ فترة ، ولكن خابت آمالي للأسف .
لِم لا يؤدي الناس مهامهم بكفاءة ؟ استلمت في جدة شحنة مرسلة بالبريد الأمريكي في خلال أسبوع وبسعر مقارب للبريد السعودي ، واستلمت في المدينة شحنة مرسلة من أمريكا عن طريق إحدى شركات الشحن الخاصة في أربعة أيام فقط .. لماذا يحتاج البريد السعودي شهراً كاملاً ليوصل لي شحنتي ؟ فهمنا أن السعوديين يغرقون في شبر ماء و (حواسين) لذا تستغرق شحنتي أسبوعين للوصول لبيتي . فماذا عن العاملين الأمريكان في مكتب واصل العالمي بأمريكا ؟ هل هي عدوى تنتشر في المنشأة السعودية بجميع مرافقها وفروعها ؟
لماذا لا يفكر الناس قليلاً ويطورون من أنفسهم ليؤدوا عملاً أفضل ؟
لماذا – إذ لم يزعهم القرآن ولا السلطان – لم يدفعهم الذكاء التجاري للربح عن طريق كسب الزبون وإرضائه ؟ أن أنهم يعملون على مبدأ : خلا لك الجو فبيضي واصفري ، ونقري ما شئتِ أن تنقري ..
مستوى الخدمات في بلادنا يئن من أناس لم يعملوا عقولهم ولا رغبتهم في الإتقان الذي يحبه الله ..
المقارنات تنعقد تلقائياً ، وفي أمور تكون أحياناً أخلاقية أو ضرورية .. ( لن أتحدث أبداً عن خدمات الصحة والتعليم والاتصالات .. أبداً أبداً )
بلادنا تغرق ببطء ..
أرسلت فى نظرات ثاقبة, خواطر ، | مصنف مهارات, خواطر | 5 تعليقات
أوّاه! أوّاه!
يا لموضوعك الذي سطر ما نعيشه حقًا!
ولي تجارب كثيرة تجاري تجاربك في الداخل وفي عالم الإنترنت ومع شركات التوصيل وأظن أن الغالبية تشاركنا هذا وتعيشه.
ردًا على سؤالك: أتوقع لأن بعضنا تعرض لبعض الصدمات والمد والجزر حين جرب طلب تعويض على تأخر أو غيره.
آخر مرة لي حصلت قبل أسبوع، تأخرت علي شركة الشحن كثيرًا وطلبت منها تعويض على التأخر أو خصم على أقل تقدير؛ لكنهم ردوا بالرفض.
غير أن حملات المقاطعة تفيد أحيانًا في تليين رؤوس بعض أرباب هذه الشركات، فلعلها تكون وسيلتنا للضغط عليهم ليقدموا احترامهم. 😦
اه يا استاذة هناء..قلبتي المواجع لمغتربة تعود لتستغرب الوطن!
للأسف الشديد هذا واقعنا المعاصر لا يوجد إخلاص في العمل لا يوجد حب للعمل هناك لا إنتماء لأي شيء مهما كان ضروريا .. هناك مبدأ لا شيء يهم … آآآآآه بإختصار لا أمانة لا أمانة لا أمانة .
للأسف الشديد هذا واقعنا المعاصر لا يوجد إخلاص في العمل لا يوجد حب للعمل هناك لا إنتماء لأي شيء مهما كان ضروريا .. هناك مبدأ لا شيء يهم … آآآآآه بإختصار لا أمانة لا أمانة لا أمانة .
نسيت أكتب إسمي
اول مره اتابع هذا البحر من الكلمات الرائعه والتشبيها ت الجميله.
ارجو منحي فرصه لمتابعيك فيس وتويتر