الفارس !
10 مارس 2015 بواسطة هناء
مكتوب على جبيني : احكِ لي !
قابلت “سيناً ” من النساء ذات صباح وتشعبت بنا الأحاديث ، حتى فوجئت بها تفضفض لي فضفضة من النوع الحميم ، برأيي على الأقل .. ما كنت لأخبر بمثل كلامها أحداً .. وكم راعني الصدق الهائل في حديثها ..
تساءلَتْ “سين “: “لم يسود الاعتقاد بأن المرأة إذا كبرت وبلغت الخمسين أصبحت “من القواعد” ، وعليها أن تتخلى عن عواطفها كذلك ؟ أعني تلك العواطف المتعلقة بالأنوثة .. بالرغبة في الغزل . بالرغبة في الجنس ربما !! من قال أن هذه المشاعر خاصة بالشابات ؟ ألا يفكرون أن مثل هذا الظن هو بمثابة الحكم بالإعدام العاطفي علينا ؟ كان زوجي يملأ عليّ حياتي ويشبع رغباتي في سماع الغزل وكلمات الحب والعشق .. فلما طُلقت ، كان ألمي وجراحي التي تسبب بها أكبر من أن أفتقد سماع ما اعتدت على سماعه في ربع قرن .. كنت أرفض تماما فكرة إعادة التجربة معه أو مع غيره ، أيا كان .. فلما تجاوزت القنطرة ، وبدأت أستعيد ثقتي بنفسي بفضل الله تعالى ، عاد إليّ الحنين الفطري إلى سماع الغزل .. لعله الحنين إلى إعادة التجربة ، ولكن هذه المرة ليس مع نفس الشخص ، وإنما مع فارس ..
أتذكر حلما جميلاً حلمت به منذ سنين طويلة .. على الرغم من كوني متزوجة في تلك الفترة .. حلمت أني متزوجة من رجل كالرجل الوطواط .. أتذكرينه يا هناء ؟ لا تراوغي ! فكلانا من جيل مجلات سوبرمان والوطواط .. ولكن ذاك كان “صبحي” ، وهذا كان ” محفوظ ” .. لا تضحكي !! أنا نفسي متعجبة من هذا الاسم ، من أين أتى ؟ كان رجل أعمال ثرياُ جدًا جدًا ، ولكن شخصيته الحقيقية تظهر في الإجازات : بدوي يعشق الصحراء ويركب الخيول .. له وسامة البدو الوسيمين ، و الطول الفارع والسمار الجذاب ، واللحية المخنجرة ، وقوة البدو التي نقرأ عنها في الروايات ، القوة الجسدية والشخصية ، والشهامة العربية ، يلقي قصائده الرومانسية بصوت عميق كأسد الصحراء .. ويكبرني بسبع سنوات .. باختصار .. كان فارساً من الجنة .. ظل محفوظ هذا يداعب خيالي كالحلم الجميل ، وكنت أحاول تنزيله على الواقع بأن أفكر أنه يمثل زوجي -آنذاك- في الجنة أو أي شيء ، ولكن (ما كان يضبط) .. فلما طُلقت ، والتقطت أنفاسي ، عاد لي الحلم مجددًا ، بعد سنوات ..
كل من يسألني : ألن تتزوجي مرة ثانية ، كنت أجيبه أولاً بضحكة ساخرة من سذاجته ، وكأن الخطاب ينظمون أنفسهم في طوابير عند باب بيتي .. وثانياً ، لأني إذا أردت أن أعيد الكرة فلن أقبل بأقل من ” محفوظ “..
سألتها متعجبة : “وهل هناك مثل “محفوظ ” أو أكثر ؟”
ضحكَتْ بعذوبة مدهشة وقالت : “نعم .. رجل كمحفوظ في صفاته ولكن باسم أجمل !!”
بادلت ضحكتها الحالمة بضحكة متعجبة من هذه الرقة المفاجئة التي تغشتها ، وقلت : “طيب، ما ذلك على الله بعزيز ، فاستعيني عليه بالدعاء “.
تبسمَتْ في حزن خفي ، وقالت : “نعم صحيح ، ولكني أعتقد أني لو دعوت به في الدنيا فسيكون اعتداء في الدعاء . مَن الفارس الذي سيرضى بامرأة خمسينية في حين تتمناه كل حوريات الدنيا ؟ لِم يتزوج مَن رق عظمها ، ووهن جسدها، ولم تظفر بنصيب واف من الجمال في شبابها لتظفر به الآن ، وفوق كل ذلك شعيرات بيضاء متناثرة ، وبطن مترهلة تحكي خمساً من الولد “.
قلت بإصرار : “ولِم جلد الذات ؟ ماذا عن جميع صفاتك الرائعة ؟ ذكائك ومرحك .. روحك الإيجابية المدهشة وإصرارك .. تفاؤلك وحبك للخير .. تفانيك في سبيل من تحبين وكل الصفات الجميلة الأخرى .. كم من النساء من تغيب شموس جمالهن خلف غيوم التفاهة وقبح النفس .”
هزت رأسها وقالت : “مثل هذه المرأة ، لا يصلح لها إلا من كانت له عشرة معها جعلته يعرفها جيداً ويعرف أي كنز هي .. المشكلة أن هذه المرأة لا تريد ذلك الرجل .. لأنه لم يكن أبداً فارسها .. كانت تحبه نعم .. ولكن لأنه كان الحب الأول .. لم يكن لا شكلا ولا أخلاقاً ولا مادة مثل فارسها ولا نصيفه .. كانت تعطي ويأخذ ، ولا يعطيها مقابلا إلا اللمم ، فترضى به لأنها تحبه .. ضحت من أجله ، أهملت أهلها ، قطعت أجزاء من جسدها ، أهانت كرامتها كالغبية لترضيه ، ولكنه لم يكن ليرضى .. لم يكن فارساً .. ألهذا جاء حلم محفوظ ، ليحكي رغبة قديمة لم تتحقق ؟؟ أترينه كان حديث نفس ؟ ماذا أفعل الآن بهذه المشاعر المتضاربة في صدري ياهناء ؟ أخاف منها جداً.. أخذت تلح علي بشدة ، وتظهر آثارها على السطح ببطء .. لا أحب أن يستعبد فكري مخلوق .. لا أحب أن يستعبد قلبي مخلوق .. بدأ ذلك الفارس يحتل جزءا من قلبي .. وأقاوم .. أحاول أن أصوره في ذهني وهو يصرخ على امرأته : يا حيوانة .. يا غبية .. أحاول أن أتخيله يرفض ذهابها إلى وليمة أهلها بحجة أن أهله عندهم وليمة ولابد أن تكون معهم .. أحاول أن أتخيله يسخر من تفاهاتها ويعظّم تفاهاته . أحاول أن أكرهه .. لا أريد أن أحيا في نكد وضيق لعدم تحقق حلمي ، فأنا لا أريد فارساً خيالياً ، افتراضيا ، لا يمكنني الوصول إليه .. أريده فارساً حقيقيًا ، يعلمني ركوب الخيل ويأخذني في رحلة خاصة لأطراف مزرعته ، وحدنا مع بندقيته ليحميني .. أريده أن يغني لي بصوته الشجي ويثني على صوتي بنظرة عشق يذوب لها قلبي .. أريده أن يأخذني في رحلة حول العالم ، ليؤمني في صلاة العصر في حديقة عامة تحت أنظار الفضوليين الذين يسألوننا فيما بعد عن الدين الذي نتبعه .. أريده أن يأخذني في أحضانه يهدهدني بصوته العميق كالطفلة المدللة كلما آذاني أحد أولادي ، ويذكرني برفق أنهم سيكبرون ويغمرونني ببرهم ، وأن مهمتي الآن أن أسامحهم وأعطيهم ما يريدون .. لا أريد حبه جنسيًا مجرداً.. أريده حبا عقليًا , جنسياً ، ثقافيًا .. أريده إعجابًا وعشقًا واحترامًا .. أريده أن يكون لي كأبي زرع لأم زرع !”
سألتُها بحذر : “أترين محفوظا هذا سيأتيك في الدنيا ؟ برأيي يا “سين” أن الأفضل أن يأتيك في الجنة ، لو كان لنا أن نختار .. الدنيا عَرَض زائل ، وحلمك هذا جميل لا تودين أن ينقطع بموتك أو موته .. تريدينه حقيقة ، وليس في الدنيا حقيقة أقوى من الموت .. ارضي به في الجنة ، واعملي على أن تظفري به هناك ، فإن الغبن كل الغبن ، أن تضيعيه هنا وهناك “.
نظرت “سين ” إليّ طويلاً ، ثم رفعت رأسها إلى السماء ، وأطلقت زفرة حرى ، وقالت : “رباه .. إنك على كل شي قدير “.
أرسلت فى Uncategorized | 4 تعليقات
أبلتي… رفقا بالقوارير 💔💔💔
رائعة 💔
ماعلى الحب ذنب ولا على المحبين سبيل ،،،الطنطاوي، ،،
أتعجب من المرأة في الغرب في هذه النقطة ،،،
بعد الأربعين تبدأ الحياة عندها وتنطلق لتعيش حياتها مع بعض التحفظ لكن نتعلم ،،،
تكبر ولكن بقلب شابة،،
من حق المرأة أن تحب وتتمنى وتطلب من الله ،،،
الذي يرزق الرجل يرزق المرأة أيضا بما تحب ،،،
ومن الدعاء ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ،،
لسين ،،
ولكل سين،،،
الله كريم وعطاياه لا تفنى ،،،وقريبا تبشرينا بمن تقر به عينك،،،
فقط لاتسمعي لكل صوت يقول لك غير ماقلت لك
ثم هنيئا لك هذا القلب الشاب المحب للحياة والأمل،،،.
,,
,,,
شجن،،💝
بنظرة البسيطة ارى حلم سين واقع في المجتمع الغربي ..