عندما أصبحت مدربة شخصية
16 أبريل 2017 بواسطة هناء
في العام الماضي وقريباً من هذا الوقت ألمت بي ظروف صعبة أنهكت تفكيري وامتصت الكثير من طاقتي، فلما انفرجت بعض الشيء في نهاية رمضان اتخذت قراراً يشكل لي تحدياً كبيراً . حكيت لكم في تدوينة لماذا الوسوسة من مدونتي الثانية “بعد الأربعين” عن مشكلة أمي مع فخذها المكسور وكيف أنني قررت بعد حادثتها أن ألتزم النمط الصحي للمعيشة وأدعو إليه. كنت أرى أمي تتعب كثيراً في القيام بمهمات الحياة اليومية ولا تكاد تمشي. لا تنسوا أن أمي مصابة بهشاشة قوية .
كنت أعلم من خلال قراءاتي الكثيرة في التغذية واللياقة أن أمي ستستعيد بعض قواها عن طريق الرياضة. لكن كيف؟ أي رياضة وهي مصابة بالهشاشة. وحتى عندما حاولت معها أن تمارس تمارينها البسيطة حاملة ثقلاً يبلغ ربع كيلو رفضت أخصائية العلاج الطبيعي التي كانت تزورها في البيت بحجة الهشاشة . كدت أجن! لا يمكن أن يكون ذلك صحيحًا. أنا أعلم أن الرياضة ستحسن الوضع وبالذات الأثقال الخفيفة ، والذي تطلبه مني هذه المرأة أن أرى تدهور حال أمي حيث أن الهشاشة لن تقف عند حدها وإنما ستزيد .
كلام الأخصائية كان يوافق هوى أمي إذ أن عضلاتها أصبحت ضعيفة جداً بسبب السن وقلة الحركة وأي جهد زائد كان يتعبها، ولكن الحمد لله أن أمي كانت تثق بي في الوقت ذاته فكانت تطيعني في بعض الأحايين. أحسست أني لا بد أن يكون عندي شيء من المصداقية، ففي النهاية أنا مجرد مثقفة أغرف من محيط الآراء الطبية والرياضية وفيها الغث و السمين وأخبط خبط عشواء .. لا بد أن ـكون لي صفة تصدقني أمي بسببها. هنا لجأت إلى حيلتي القديمة: الدراسة عن بعد! وأخذت أبحث عن دورات أون لاين قوية لآخذ العلم الصحيح بأصوله كما فعلت قبل أن أبدأ بتدريس اللغة الانجليزية كلغة أجنبية. وجدت عدة مؤسسات أمريكية تقدم هذه الخدمة بمبالغ مالية محترمة. قارنت كثيراً بين المواقع حتى اعتمدت أحدها واستخرت الله واشتركت في دورة إعداد مدرب رياضي شخصي ، وكان هذا القرار تحدياً كبيراً.
في البداية كان الأمر مسلياً ومثيراً ، فهذا تخصص جديد للغاية لم أعتده، وكانت الفصول الأربعة الأولى الرقمية ممتعة وسهلة ، وعندما وصلتني الكتب بعد 3 أسابيع علمت أن الأمر ليس مزحة! الكتاب الأول كان ضخمًا من 800 صفحة تقريبًا من الحجم الكبير والخطوط صغيرة ومتقاربة مع الكثير من الجداول والصور . أما الثاني فكان أصغر قليلاً ويكفي أن أقول أن الفصل الأول كان عن تشريح الجسم!
عندما أمسكت الكتابين بيدي أدركت أن مهمتي لن تكون سهلة كسابقاتها ولكني كنت أستحضر دائماً الهدف أمامي فأتشجع .
ما الهدف ؟
أولاً: أن يكون عندي شيء من المصداقية عندما أطلب من أمي أن تقوم ببعض التمارين الرياضية التي قد تتعبها في البداية والتي أعلم أنها لن تضرها بسبب الهشاشة وإنما ستفيدها، فأنا الآن أتكلم عن علم ولست مجرد قارئة .
ثانياً : نيتي في التوسع بدراسة تدريب كبار السن لمساعدة أمي أولاً، ثم لأستفيد أنا شخصياً لنفسي ولمساعدة صديقاتي إذ كلنا في طريق الكبر ذاته.
وثالثا : صرف تفكيري عن الظروف التي ألمت بي والتي لم تنته بعد .. لم أحتمل فكرة أن أبقى أسيرة القلق أو الهم بسبب “الفضاوة” .كان لابد لي من إشغال نفسي بالمفيد قبل أن تشغلني بالسيء .
أمضيت قرابة الثمانية أشهر في هذه الدراسة وأؤكد لكم أنها كنت شديدة الصعوبة إذ هي باللغة الانجليزية وأنا أفقد التركيز إذا درست بغير العربية لأكثر من ساعتين، كما أنها تخصص علمي بحت، و مزاجي أدبي بحت. المعلومات جديدة جدًا، ونسبة ما أعرفه مسبقا لا تبلغ 10% إذ أن ما يتداول في مواقع التواصل الاجتماعي وما يكتب في المدونات إنما هي القشور، وكتبي كانت تحوي ” العلم المؤصل” .
وحينما اخترت أن يكون اختباري في الأول من إبريل بدأ العد التنازلي في المذاكرة الجدية. قمت بترجمة كامل الكتابين مختصرة في 300 صفحة (لأني لا أحب المذاكرة بغير العربية) ثم أعدت اختصارها من جديد. وكعادة من عندهم اختبار، كنت أهرب! أبحث عن اجتماعات مع صديقاتي، أُكثر من تصفح تويتر بعد أن هجرته لفترة ، وحملت لعبة مطعم في الآيباد أجني من ورائها أموالًا طائلة (افتراضية)، وأفعل كل شيء ممكن إلا المذاكرة الجادة .
كنت مرعوبة بمعنى الكلمة. أهلي وصديقاتي ووضعوا كامل ثقتهم فيّ. وفي داخلي كان يهتف صوت ما: لن تنجحي! هذه الدورة ليست كدورة إعداد مدرب اللغة الانجليزية، هذه دورة صعبة للغاية بدليل أن اختبارها لن يكون في بيتك وإنما في مركز اختبارات.
قبل أسبوعين من الاختبار عادت تلك الظروف الصعبة من جديد وبذات الضراوة، وتعجبت من قدر الله كيف أني اشتركت في هذه الدورة لأهرب من التفكير فيها فجاء التفكير الحقيقي قبل الاختبار بأسبوعين. في المرة الأولى تعلمت أنه ما من بلاء إلا وينزل معه لطف لأن الله هو” اللطيف” وعلينا أن نبحث عن لطفه في بلائه. وتعلمت أن الله عليم حكيم فإذا تيقنت من ذلك فاطمئن لأقدار الله مهما كانت و ثق به وأحسن ظنك. وتعلمت أن الشيطان يريد أن يظفر منك بأي شيئ وهو يجري منك مجرى الدم، ولعله يخطر في بالك خواطر ملحة (كتلك الأغنية التي تتردد في ذهنك طوال الوقت حتى تكاد تجن) تحسبها من تفكيرك فإذا بها تكون من الشيطان فاحذر وانفضها عنك كما لو كانت أفعى تدب على يدك.
عندما عاودت التفكير في هذه الظروف المشكلة وبدأت ثانية في امتصاص طاقتي وفقني الله تعالى للتفكير السليم المتروي، وعلمت أن اغتمامي لن يحل المشكلة ولن يغير من الأمر شيئاً، ولكن الدعاء والصبر و إحسان الظن بالله سيفعل، فرميت كل شيء وراء ظهري وانتبهت لدراستي مطمئنة بأن الله سيدبر أمري جيداً، فهو الرب وهذا عمله.
قبل أن أغادر إلى مقر الاختبار سلمت على أمي التي قالت في ثقة: لا تخافي! ستنجحي لأني أدعو لك. ( فاصل : يا رب لا تحرمني من أمي) .
دخلت المركز الذي لم يكن فيه غيري واتخذت مقعدي أمام جهاز الكمبيوتر وبدأ الاختبار المكون من 150 سؤالاً عليّ حلها في 3 ساعات.
السؤال الأول كان مصيبة! لم أفهم جميع الخيارات لأنها كانت أسماء تمارين رياضية وأتحداكم لو مرت علي في الكتابين.
السؤال الثاني كان كارثة لأن هناك خيارين من أربعة كليهما صحيح، والسؤال يطلب الأصح؟ أحسست بالبرودة تجتاحني، وتصلبت أطرافي .. البداية لا تنبئ بخير. بدأت عيناي تقرآن الأسئلة المتتالية وتداعت أثناء ذلك على ذهني صور متناقضة :
“هذا الاختبار نجح فيه عام 2015 : 65% من المتقدمين “الأمريكان” (وأنا أيش أكو؟ )”.
“أمي تقول : ستنجحين لأني أدعو لك “.
“اختاري الأصح من الإجابات ( المتشابهة )”.
“ابني سهل يقول: كل سؤال له دقيقة وثلث تقريباً، حاولي ألا تضيعي دقائقك بالتوقف عند الأسئلة لفترة أطول من دقيقة. الاختيارات من متعدد قائمة على الخدعة و اختبار سرعة التفكير. اختاري ما تعتقدين أنه صحيح ثم عودي إليه لو تبقى وقت”.
“لن تنجحي !! أنتِ أدبي وهذا علمي وباللغة الانجليزية أيضاً”.
“صديقاتي يكتبن لي: يا هناء، الأمريكان الذين رسبوا لم يكن عندهم من يدعو لهم ! كلنا معك في الدعاء و” أنت قدها” .
“لماذا أتى هذا السؤال بصيغ مختلفة 4 مرات؟ هل في الأمر خدعة”.
“ما الفرق بين عضلة بايسب فيموريس، وريكتُس فيموريس، وكوادراتوس فيموريس”؟
“لا تتعبي نفسك. لن تنجحي! ألا تلاحظين سرعة تنفسك؟ همممم أليس هذا هو هرومون إبانفراين الذي يُفرز عند التحفز؟ لا عليكِ، انظري إلى سرعة التنفس وتوترك من قراءة الانجليزية لساعتين حتى الآن، وبقي لك 30 سؤالاً”.
“تبًا لهم من أين يأتون بكل هذه الأسئلة”؟
” تمرين البوش أب تقوم به عضلة الترايسبس وبيكتورالس ميجر، وما الثالثة؟ رومبويد أم لاتيسيمس دورساي أم ترابيزيوس؟ ( هذه أسماء عضلات في الظهر وليست أسماء آلهة اغريقية)”!
“هناء .. اضغطي على زر التسليم و انسحبي من الاختبار! ضغطك يرتفع ولا فائدة. لن تنجحي!
“ولكن إذا فعلت فكيف سأواجه أمي وأولادي وصديقاتي؟ أقول لهم أني لم أجرؤ على إكمال الاختبار بسبب التوتر؟ أقول أني لم أحارب كما ينبغي لأن “أعصابي باظت”.. وكيف سيمكنني أن أكون قدوة لأولادي إذا تخاذلت”؟
“هناء سترسبين “!
“ولو ! لو رسبت فحسبي أني بذلت كل ما في وسعي في دراسة تخصص جديد جداً علي . يكفيني شرف المحاولة”.
“هناء لن …”
“صه ! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”!
اعتدلت في جلستي “الانبطاحية ” واقتطعت دقيقتين للاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جامعة شتات نفسي و عدت . أنهيت الإجابة عن الأسئلة قبل انتهاء الوقت بحمس وأربعين دقيقة وراجعت الإجابات التي شككت فيها ثم ضغطت على زر التسليم submit قبل انتهاء الوقت بنصف دقيقة .
أغمضت عيناي وأخذ قلبي يدق بجنون .. لحظة إعلان النتائج دائما تهيّج مستوى الأدرينالين في دمي حتى لو لم أكن صاحبة النتيجة .
ظهرت نافذة أخرى تؤكد عليّ : هل أنت متأكد من التسليم ؟ لا زال أمامك وقت ..
Submit!
نافذة ثالثة : الآن ستظهر لك النتيجة ( حسبي الله عليكم يا كفار، لعبتوا بأعصابي)!
Ok!
نافذة رابعة في وسط خامسة : اطلب من المشرف طباعة النتيجة .
حسناً لكن أين النتيجة؟ عادة في مثل هذه الاختبارات تكون النتيجة المباشرة كلمة تهنئة congratulations أو اعتذار Sorry مكتوبة بخط بارز أو ملون . هذه المرة صفحة فيها عدة أسطر وجدول وأرقام . ذهني توقف عن العمل .. مرت عيناي سريعًا على الكلام وفجأة لم أعد أفقه شيئاً .. أين النتيجة ؟ وأخيراً قرأت في السطر الثاني : Congratulations! You passed the test
لن أخبركم عن الشمس التي سطعت بعد احتجاب، ولا عن العصافير التي زقزقت بفرح ولا عن الألعاب النارية التي أضاءت سماء عقلي الذي أظلم لوهلة، ولاعن فخري بأني لم أخيب ثقة أمي وأولادي وصديقاتي فيّ.. ولكني سأخبركم أني حالما غادرت مركز الاختبار وأُغلق الباب خلفي وتأكدت أن لا أحد في الطريق أخذت أتقافز وأضحك وأصرخ وأحمد الله وسط دهشة ابني سهل وقهقهته .
وأخيراً ، لست متأكدة من إمكانية مزاولتي لمهنة التدريب الشخصي إذ يظل عشقي الأبدي هو تعليم الفقه و اللغة الانجليزية، إلا أني فخورة جداً بإنجازي و بالمعلومات التي استفدتها والتي يمكن تطبيقها في حياتي ومع معارفي. تأكدت من نظريتي أن الإنسان سيظل قادراً بتوفيق الله على العطاء والنجاح مهما بلغ من العمر، ولكن عليه أن يتخيّر ما يناسبه. والأعظم من ذلك فرحي الغامر بأن الله حبيبي أسعدني بنجاحي في وقت لم أنفك فيه عن تخذيل الشيطان، وكأنه يؤكد لي: الصبر مفتاح الفرج، وظروفك الصعبة ستنجلي بإبهار كهذا الاختبار .. فقط اصبري وثابري بالدعاء وإحسان الظن .
شكرا لقراءتكم ومساؤكم سعيد!
أرسلت فى Uncategorized | 10 تعليقات
مساء الفل كوتش هناء…مبروك لكِ هالعزيمة..كل ماقربت مدونتك ألف مشروع يتقافز في بالي واستنى الشمس تطلع لانفذها واذا طلعت الشمس خارت العزيمة وحل النوم😅
إذا عزمت فتوكل على الله .. أهم شي تكون مشاريعك قابلة للتحقق 🙂
انتي رائعة ومذهلة أحبك واعتبرك قدوة لي الله يجعل ايامك كلها نجاحات كلام يعجني اتحفز لانجز في حياتي ولو اليسير
أحبك الله الذي أحببتني فيه 💜
أشترك معك في حب الدراسة عن بعد، وتدوينك أيضا “تحمِّس”!
هناء، من فضلك، هل من الممكن أن تضعي لنا رابط الموقع الذي حصلت على التدريب منه؟ أقصد رابط دراسة الكورس عن بعد.
شاكرة جدا وأنتظرك 🌹
أشترك معك في حب الدراسة عن بعد، وتدوينتك أيضا “تحمِّس”!
هناء، من فضلك، هل من الممكن أن تضعي لنا رابط الموقع الذي حصلت على التدريب منه؟ أقصد رابط دراسة الكورس عن بعد.
شاكرة جدا وأنتظرك 🌹
ماشاءالله تبارك الله .. اهنيكي على العزيمه انتي بجد رائعه وقدوه للكل الله يكتبلك كل الخير ويوفقك ويجعل حياتك كلها نجاحات 🌹
انتي انساااانه رائعه في تحدياتك لأي قرار تتخذينه ❤️
بارك الله فيك
بوركتِ مفتاحا للخير مغلاقا للشر آمين
رائع